ثم ذكر الله عز وجل بعض الصفات التي وصف الله بها هذا النبي الصالح: قال جل وعلا في أول صفاته: {وَكَانَ تَقِيًّا}[مريم:١٣]، والتقوى قيل في وصفها: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله تخشى عقاب الله, وهي وصية الله لكم وللسابقين من قبلكم، قال تعالى:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}[النساء:١٣١]، وقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[الحج:١ - ٢]، وقد قال صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع وفي غيرها:(يا أيها الناس! اتقوا ربكم)، وما زال الصالحون والأخيار جيلاً بعد جيل خلفاً بعد سلف يوصي بعضهم بعضاً بتقوى الله تبارك وتعالى.
ولهذا وصف الله ذلك العبد الصالح بقوله:{وَكَانَ تَقِيًّا}[مريم:١٣]، أي: مقدماً على الطاعات، محجماً عن المعاصي، يرجو رحمة الله، ويخشى عقاب الله وهذا هو التقوى وأساسها، فإن الإيمان بالعمل وليس الإيمان بالألفاظ فقط والتحلي بها سماعاً دون تطبيق واسترشاد بقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر تبارك وتعالى ثاني صفاته على عبده يحيى قال:{وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ}[مريم:١٤]، وهذه من أعظم الخصال وأجل الصفات، وبر الوالدين قد أطنب ولله الحمد في بيانه كثير من الدعاة والعلماء جزاهم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء، ورغم ما قدمه أهل العلم بل وما ذكر في القران وفي صحيح السنة من دعوة إلى بر الوالدين، إلا إننا مع ذلك نجد البعض -عفا الله عنا وعنهم وردهم إلى سبيله وهديه- يفرط في هذه المسالة حتى ممن من الله عليه بالهداية والعودة إلى الطريق المستقيم، وقد أخبرنا من نثق به على سبيل الشكوى إن هناك من الناس من يضرب أمه وأباه أمام أصحابه إظهاراً لقوة شخصيته، ولا ريب إن هذا والعياذ بالله بلاء عظيم وبعد عن طريق الله المستقيم.