الدعاء الثاني: قول الله جل وعلا على لسان الأبوين -آدم وحواء - لما أهبطا إلى الأرض وأخرجا من الجنة، وكان قد وقع منهما ذلك العصيان الذي أنبأ الله به بقوله:{وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}[طه:١٢١] فعلم الله جل وعلا آدم كلمات حتى يعود إليه، ويتوب الله جل وعلا عليه، وقد ذكر بعض أهل العلم أن تلك الكلمات هن الدعاء الذي نص الله جل وعلا عليه في سورة الأعراف يوم قال جل ذكره على لسان الأبوين آدم وحواء:{قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف:٢٣].
فهذا من أعظم الدعاء وأجمعه، وفيه من الذل ما هو ظاهر جلي، وواضح لا يحتاج إلى بيان، فإن فيه إخباراً بالمسكنة وظلم النفس، وفيه بيان أن الغوث والعون إنما يكون من الله وحده، وهذا نص قولهما:{وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف:٢٣].
فالإنسان إن لم تتداركه رحمة الله ولم تنله رحمة الله أضحى في الخسران المبين، والضلال الواضح، ولذلك حري بالمؤمن أن يكون في دعائه ما ينبئ عن عظيم تعلقه بالله، وعلمه أن الفضل كله بيد الله وحده يؤتيه من يشاء، ألا ترى يا أخي إلى دعاء موسى يوم سقى الفتاتين فقال:{رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}[القصص:٢٤] فإنه أظهر ذله وفقره إلى علام الغيوب، وغفار الذنوب جل جلاله، والإنسان إذا أظهر إلى الله شدة فقره، واستزاد من الله النعم، أفاء الله جل وعلا عليه من العطايا، وآتاه تبارك وتعالى من المزايا.