[الكلام عن كتب العقلانيين وفكرهم وتبرئة العلماء من ذلك]
السؤال
ما رأيك يا فضيلة الشيخ في كتب العقلانيين، وما هي نصيحتك لمن ينشرها مع العلم أنها تشابه كتب الحداثيين والعلمانيين؟
الجواب
يا إخوة هذا دين وينبغي ألا يتكلم فيه إلا من يعلم، وإن مما نعانيه أنه تجرأ على هذا الدين من لا يفقه فيه، وهذا التجرؤ قد يقود أحياناً إلى أن يتهم العبد الناس بما ليس فيهم، وأذكر حادثة رأيتها أمام عيني، فقد كنت ذات يوم ضيفاً في إحدى المدن خارج المدينة، فسأل أحد الحاضرين عن الشيخ محمد الغزالي رحمة الله تعالى عليه الداعية المصري المعروف الذي توفي مؤخراً، فقام أحد الحاضرين يستبق المسئول بالإجابة، وقال لذلك السائل بلغته: أيش تبغى فيه، هذا يقول: إن الرجل لو جلس في بيته على التلفاز واستمع الأغاني فلا شيء عليه، فلما قالها: نفض ذلك الرجل السائل يده، وقال: لا خير فيه، وقال فيه بعض السباب.
وهذا من الظلم للشيخ الغزالي ومن الظلم لغيره.
إن الله تبارك وتعالى سيسأل كل عبد عن قوله، والكلام في الأئمة والعلماء أياً كانت جنسياتهم وأياً كانت مواطنهم ينبغي أن يكون على برهان وعلى علم بحقيقة القول، ولا ينبغي أن يكون جزافاً؛ لأنه خالفك في فتوى، أو خالف مشايخك في مسألة فقهية، وينبغي أن يعرف لعلماء المسلمين أياً كانت مواطنهم ولو في أصقاع الأرض يعرف لهم قدرهم ويعرف لهم مكانتهم، ولا يوسمون بما ليس فيهم، فالعقلانيون فريقان: فريق ينكر الدين كله ولا يؤمن إلا بما يتفق مع العقل، وهؤلاء أصلاً كفار وليسوا بمسلمين، ولا يوصفون بأنهم علماء ولا دعاة، ولا خير فيهم أبداً، بل هم في صف الملاحدة، وسبهم والكلام فيهم دين وملة وقربة.
وفريق من علماء المسلمين وسموا من الناس بأنهم عقلانيون، وقد نبه بعض العلماء والدعاة عنهم في بعض كتبهم غفلة منه؛ لأنه لم يفقه السبب الذي من أجله ردوا بعض النصوص، وأنا أذكر هنا هذا براءة للدين، فمثلاً الشيخ الغزالي نفسه وسم بأنه عقلاني؛ لأنه توقف في الحديث الذي في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل:(أين أبي؟ قال: أبوك في النار، ثم لما انصرف الرجل رده صلى الله عليه وسلم وقال: أبي وأبوك في النار)، قال هذا الرجل: قالوا: إن الشيخ الغزالي لا يأخذ بهذا الحديث رغم أن الحديث في صحيح مسلم، فقالوا: إنه يرده؛ لأنه لا يوافق العقل الذي يمشي عليه في أنه كيف يكون أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم في النار، والحق أن الشيخ رحمة الله تعالى عليه ما رد هذا الحديث لأنه مخالف للعقل، وأنا أقول مثله، فهذا الحديث رغم أنه في صحيح مسلم إلا إن الإنسان-عن نفسي أتكلم- يتوقف أمامه؛ لأن الدين لا يبنى على مجاملة الآخرين، وصحيح السنة لا يمكن أن يعارض صريح القرآن، والقرآن قطعي الدلالة قطعي الثبوت، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه المبين:{تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[السجدة:٢]، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}[السجدة:٣].
فأخبر جل وعلا أن قوم محمد صلى الله عليه وسلم ما أنذروا قط، وفي آية يس:{مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[يس:٦ - ٧]، فالله أثبت في القرآن أن أولئك لم ينذروا، وقال جل وعلا في آية الإسراء:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء:١٥]، فالآيتان محكمتان بنص الكتاب أن الله لا يعذب إلا من أرسل إليه، والله أخبر أن الملأ ممن كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم لم يرسل إليهم رسول؛ لأجل هذا توقف الشيخ الغزالي في قضية حديث مسلم:(أبي وأبوك في النار)، وأياً كان الأمر فإن هنة واحدة، أو مثلب واحد، أو ممسك واحد على عالم من علماء المسلمين لا يقدح فيه، ولا يلزمنا أبداً أن نتهمه بما ليس فيه، فالشيخ الألباني مثلاً على جلالة قدره وعلمه وهو المعروف المشتهر وخدمته للسنة واضحة ظاهرة بينة، نقم عليه البعض قوله: بأن الوجه والكفين في المرأة ليسا بعورة، فخلط أقوام ما بين القول بأن الوجه والكفين ليسا بعورة وبين إنكار الحجاب، وهذا من الجهل، فالشيخ الألباني ومن تبعه في هذه المسألة ومن قبله لم يقل أحد منهم أن الحجاب ليس بموجود، بل إننا نقول: إن من أنكر الحجاب فإنه يكفر؛ لأن الحجاب من المعلوم من الدين بالضرورة، ومن المنصوص عليه في الكتاب، ولكن الخلاف في الحجاب ما هو؟ ففرق أن يكون الخلاف: هل هناك حجاب أو لا؟ وبين ما هو الحجاب؟ فالشيخ الألباني ومن وافقه ومن قبله يقولون: إن الوجه والكفين ليسا بعورة؛ لأنه ليس في كتاب الله نص صريح واضح على أن المرأة تغطي وجهها، لكن يشهد نصوص أخر من السنة النبوية على أنه يحسن بالمرأة أو يجب على المرأة أن تغطي وجهها، فهذا الخلاف يجب أن نعرفه، فإذا جاء رجل ينقض الحجاب كله جلبنا عليه بخيلنا ورجلنا وسفهنا رأيه، وإن جاءنا مسلم يقول: أنا مؤمن أن المرأة يجب أن تتحجب، لكني لا أقول إن الوجه والكفين عورة، فهنا يقف المسلم؛ لأن هذا القول قد قال به أفذاذ العلماء: قال به مالك كما في المدونة، وقال به غيره من أئمة السلف، وقال به كثير من العلماء، فالمسألة ينبغي أن تكون بينة واضحة عند الحكم على الناس.
وأما الحداثيون، فالحداثة قالب لا أكثر ولا أقل، فإن استخدمت في الخير فهي خير، وإن استخدمت في الشر فهي شر، ولكن دعاتها ورموزها والذين وفدوا بها على أهل الشرق وعلى أهل الإسلام كانوا أساطين وأرباباً في الهجوم، ومحاربين لله، ومحاربين لرسوله صلى الله عليه وسلم جهاراً وعياناً؛ فلذلك لا نتورع أبداً في أن نقف ضدهم، بل إن الوقوف ضدهم كما بينا في المحاضرة دين وقربة وملة يجب أن نتعبد الله تبارك وتعالى به، فتعرية المناهج أمر واجب إذا تبينا أنها خطأ، فإن كان الشخص المتكلم رجل من أهل السنة معروف بدينه وعلمه وفضله فيرد عليه قوله فقط، أما شخصيته وذاته فتبقى محفوظة مرموقة، فله مكانته وله جهاده في الدين، ويرد عليه قوله إن كان قوله مما تيقنا أنه خطأ، وأنه معارض لما في الكتاب والسنة، والله أعلم.