وما حظي به الصحابة من محبة لنبينا صلى الله عليه وسلم ورثه عنهم التابعون من هذه الأمة، قال مالك رحمه الله -وهو إمام دار الهجرة في عصره-: ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب السختياني أفضل منه.
ثم ذكر مالك السبب الذي جعله يجل أيوب ويأخذ عنه فقال رحمه الله: لقد صحبته وقد حج حجتين، فرمقته من بعد ولم أسمع منه، فكنت أرى أيوب إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى يقوم عنه أصحابه شفقة ورحمة به، فلما رأيت محبته وإجلاله للنبي صلى الله عليه وسلم أخذت عنه وكتبت عنه الحديث.
ثم إن مالكاً نفسه كان يبكي كلما أكثر من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعجب منه أصحابه، فقال رحمه الله لتلاميذه: لو رأيتم ما رأيت لما تعجبتم، لقد أدركت محمد بن المنكدر -وهو شيخ مالك -ما يحدث بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ويبكي إجلالاً للنبي صلى الله عليه وسلم، فنقوم عنه رحمة به وشفقة عليه.
ثم قال: وأدركت عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهم أجمعين، إذا حدث وذكر النبي صلى الله عليه وسلم جف لسانه في فمه، وكاد دمه أن ينزف؛ محبة وإجلالاً لنبي الأمة صلوات الله وسلامه عليه.
فهذه صور مشرقة وصفحات مضيئة من حياة سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان في محبتهم لنبينا صلوات الله وسلامه عليه.