[تدبر في قوله تعالى:(هو الحي لا إله إلا هو فادعوه)]
قال الله جل وعلا في هذه السورة المباركة أيضاً:{هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[غافر:٦٥].
الحياة صفة ذاتية لربنا جل وعلا، والحي اسم من أسمائه الحسنى، وهنا يقال: إن صفة الحياة لأي مخلوق يسبقها عدم ويلحقها زوال، أما ربنا تبارك وتعالى فلم يسبق حياته عدم ولا يلحقها زوال.
وعلم أي أحد علم يسبقه جهل ويلحقه نسيان، وأما علم الرب تبارك وتعال فعلم لم يسبقه جهل ولا يلحقه نسيان، كما قال تعالى:{قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى}[طه:٥١ - ٥٢] أي: لا يجهل ربي ولا ينسى.
وهذا الثناء على الله جل وعلا بأنه الحي الذي لا إله إلا هو يجعل المؤمن يتوكل على الله جل وعلا حق التوكل؛ لأن كل من ألقيت متاعك أو رحلك عنده رجاء أن يعينك رجاءً تاماً كاملاً لا تخرمه فإنه قد يموت دون أن يقضي أمرك، أما الله جل وعلا فإنه حي لا يموت، ولهذا لا يصدق التوكل الحقيقي إلا على الرب تبارك وتعالى.
ولكن ينبغي أن يفهم من القرآن أن الله جل وعلا كما أمرنا بأن نتوكل عليه وحده أمرنا جل وعلا بأن نأخذ بالأسباب، كما حكى الله جل وعلا عن نبيه يعقوب أنه قال لبنيه:{اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ}[يوسف:٨٧].
وأوضح منها برهاناً أن الله جل وعلا ذكر قصة خبر أم موسى، وأن الله جل وعلا أوحى إليها:{إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[القصص:٧] فهذا وعد من الله لها يوم أن ألقت ابنها في اليم.
كأم موسى على اسم الله تحمله وباسمه أخذت في النيل تلقينا نقول: مع ذلك أخذت هذه المرأة الصالحة أم موسى بالأسباب، قال الله عنها:{وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[القصص:١١]، فبعثت أخت موسى تسأل عن موسى وتقتص أخباره حتى وصل بها الأمر إلى أن عرفت موضعه، فكانت سبباً بعون الله في أنه آب ورجع إلى أمه؛ ليتحقق بذلك وعد الله جل وعلا، وإذا أراد الله جل وعلا شيئاً هيأ أسبابه.