وللشعر أغراض، فمنه شعر الغزل بقسميه العذري والإباحي، ومنه المدح، ومنه الرثاء، ومنه الوصف، ومنه الحكمة وما إلى ذلك، ولعل من أظهره عندهم شعر المدح، ولا ريب أنه إذا كان الممدوح عظيماً والشاعر متمكناً، كان ذلك أقوى في أن تكون القصيدة مقبولة عند الناس، لكن إذا كان الممدوح دون حق المدح، فإن القصيدة لابد أن يظهر فيها شيء من الجناس، وهذا أمر معروف مشتهر.
ومن أشهر قصائدهم في المدح في عصر بني أمية مثلاً: أن هشام بن عبد الملك رحمة الله تعالى عليه خليفة المؤمنين المعروف حج ذات مرة، ويظهر أنه حج في عهد أبيه عبد الملك بن مروان، فلما أراد أن يقبل الحجر الأسود وكان الناس لا يعرفونه لم يفسح له أحد المجال، فقبله على زحمة من الناس ثم مضى إلى جانب الكعبة، فجاء زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، فلما أراد أن يقبل الحجر عرفه الناس، فانزاحوا عنه وأفسحوا له الطريق حتى قبل الحجر، فلما رأى ذلك هشام أراد أن يصرف وجوه أهل الشام عن زين العابدين علي فقال من باب التهكم -وهو يعرف زين العابدين - قال: من هذا؟ يريد أن يبين أن هذه شخصية نكرة من النكرات، فكان من سوء حظ هشام أن الفرزدق كان موجوداً عند البيت، فارتجل تلك القصيدة التي يمدح بها زين العابدين قال: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا النقي التقي الطاهر العلم وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم كلتا يديه غياث عم نفعهما يستوكفان ولا يعروهما عدم سهل الخليقة لا تخشى بوادره يزينه اثنان حسن الخلق والشيم ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم مشتقة من رسول الله نبعته طابت مغارسه والخيم والشيم هذا ابن فاطمة إن كنت تجهله بجده أنبياء الله قد ختموا إلى آخر ما قال رحمة الله تعالى عليه.
فلما قالها انصرفت وجوه الناس من هشام إلى زين العابدين بن علي، وكانت تلك القصيدة سبباً في أن هشاماً سجن الفرزدق؛ لأنه مدح زين العابدين علي على ملأ من الناس.