ثم تنفك عن ذلك الجسد فيكون بذلك موته، إلا أن أهل العلم اختلفوا بعد ذلك في انفكاك الروح عن الحسد فقالوا: هل ينالها العدم المحض، أم أنها تعود كرة أخرى إلى الجسد لتنعم أو تعذب؟ فمن العلماء من رأى أن الروح بعد انفكاكها عن الجسد تصير إلى عدم محض، وحجة هؤلاء قول الله تبارك وتعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[البقرة:٢٨]، ووجه الدلالة عندهم أن الله جل وعلا أخبر عن موتتين، فالموتة الأولى انفكاك الروح عن الجسد، والموتة الثانية موتها هي كرة أخرى.
والأظهر -والله تعالى أعلم- أن الله جل جلاله عنى بالموتة الأولى موتة العدم قبل الوجود، وعنى بالموتة الثانية الموتة المعلومة التي تكون بفراق الروح لذلك الجسد، قال الله تبارك وتعالى:{لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}[الدخان:٥٦]، فأخبر جل وعلا أنها موتة واحدة، وهي انفكاك الروح عن الجسد.
إن علاقة الروح بالجسد ذات أربعة أحوال: فعلاقة تكون بينهما عندما كان المخلوق جنيناً في بطن أمه في الظلمات الثلاث، ثم تكون علاقة أخرى في الحياة الدنيا التي أنسها الإنسان وسكن إليها، ثم تكون علاقة أخرى في حياة البرزخ، وهي إما نعيم -بلغنا الله وإياكم إياه- وإما عذاب -عصمنا الله وإياكم منه-، ثم تكون بينهما علاقة كبرى وذلك بعد البعث والنشور يوم يقوم الأشهاد لرب العالمين جل جلاله.