[الله تعالى يكره الكبر ويحب التواضع]
الحقيقة الثالثة: أن الله يكره الكبر ويحب التواضع.
وقال جل وعلا في الحديث القدسي: (الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قبضته)، ولا يوجد أحد إلا وفي نفسه شيء من الكبر مخلوق معه، فإن ضبطه بضابط الشرع وأخرجه من نفسه سلم ونجا، وإن أبقاه فإنه لا يزال يتمادى في الناس ويعلو حتى يقوده - والعياذ بالله - إلى التسلط على الخلق كما دعا فرعون أن يقول كبراً وعناداً: (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى).
وقد يزين الشيطان للإنسان أن الكبر نوع من قوة الشخصية، فيخلط المرء بين قوة الشخصية وحب العلو والتكبر على الناس والتعالي عليهم، وهذا كله ممقوت، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر).
والجزاء من جنس العمل، قال صلى الله عليه وسلم: (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يطؤهم الناس).
والتاريخ الإنساني شهد كثيراً ممن طغوا وتجبروا، فهذا أبو طاهر القرمطي أحد أتباع القرامطة كان يزعم أنه على الحق وكان يسكن البحرين.
ومعلوم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم طأطأ رأسه عند البيت الحرام، وأمر الناس أن يكونوا أعظم ما يكونوا خاشعين وخاضعين ومخبتين لله، لكن ركب ذلك المتجبر المتكبر فرسه ثم أخذ يطوف بالبيت حتى بال فرسه عند باب الكعبة، وصعد على باب الكعبة وخطب في الناس قائلاً: أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا ثم قتل ثلاثين ألفاً من الحجاج، وردم بهم بئر زمزم - عياذاً بالله - ثم ما زال طغيانه وجبروته يقوده حتى قلع الحجر الأسود من مكانه وأخذه على فرس له وغدا به إلى البحرين، فبقي الحجر الأسود في بلاد الهجر- البحرين الآن - عشرين عاماً ثم رد إلى بيت الله العتيق.
فالذي دفعه إلى هذا الكبر والتعالي، ولذلك ثبت في السنن بسند صحيح: (أن نوحاً عليه الصلاة والسلام لما حضرته الوفاة جمع بنيه) ولن تجد أحداً أعلم من الأنبياء ينصح الناس.
قال نوح لبنيه: (يا بني! أوصيكم باثنتين وأنهاكم عن اثنتين, أوصيكم بلا إله إلا لله، فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو كن كحلقة مفرغة لقصمتهن لا إله إلا الله، وبسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق الخلق، ثم قال: وأنهاكم عن اثنتين: الشرك والكبر)؛ لعلمه صلوات الله وسلامه عليه أن الشرك والكبر قرينان، وأن أول ذنب عصي لله جل وعلا به هو الكبر يوم أن امتنع إبليس عن السجود لأبينا آدم.
وهذا يوجد في حياة الناس إلى اليوم، فمن الناس من ترى فيه التعالي على عباد لله إن كان أميراً أو ذا سلطان، أو كان غنياً أو ذا جاه، أو حتى إن كان إماماً أو خطيباً، أو كان مسئولاً إدارياً رفيعاً أو قائداً عسكرياً مسموع الكلمة تختلف وظائف الناس، لكن ما في القلوب يحكي هذه الوظائف.
ومن الناس من يكون الكبر داخله لكن لفقره ولعدم الوظيفة لا يجد فرصة لأن يتعالى على الناس، فما أن يجد فرصة إلا ويبدأ يخرج ما في قلبه من الكبر.
فلا يمكن أن يجتمع صلاح عبد مع كبر في القلب، قال عليه الصلاة والسلام: (ومن تواضع لله رفعه الله)، فالتواضع للرب تبارك وتعالى من أعظم المناقب ومن أعظم أمارات صلاح العبد.