القطوف الرابعة: الشعر: الشعر عرفته العرب في جاهليتها وإسلامها وإلى اليوم، وقد نقل عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه سمى الشعر: ديوان العرب، وقد كانت العرب في جاهليتها لاعتنائها بهذا الأمر تقيم أسواقاً يتنافسون بها في الأشعار، والخطب والأمور الأدبية، ومن أشهر أسواقهم كما هو معروف عكاظ والمجنة، وذي المجاز، فكان الشعراء والخطباء يقولون فيها ما يحفظونه وما ألفوه من شعر ونثر، وقد بلغ عنايتهم بهذا الأمر أن ما ظهر وبرز من شعرهم كانوا يكتبونه بماء الذهب، ويعلقونه على الكعبة، ومن ذلك ما نعت وسمي بالمعلقات.
والشعر العربي له بحور تسمى بحور شعرية، وهي ستة عشر بحراً شعرياً، أول من صنف فيها وبوبها وأبانها وأظهرها للناس العلامة الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمة الله تعالى عليه.
وكان هذا الرجل على قدر كبير من الذكاء، فإنه مر بسوق النخاسين ممن يعملون في النحاس، فأخذ ينظر إلى النغمات النحاسية الصادرة عنها، فقرنها بشعر العرب، فكان أن ألف علماً استجده وهو علم العروض، حتى أنه كان يذهب يقطع الأبيات الشعرية في بيته، فرآه ولده، فظن أن فيه مسّاً من الجنون، فأخبر أهله بأن أباهم قد جن، فقال الخليل رحمة الله تعالى عليه وكونه قد بلغ من العلم والفضل ما بلغ: لو كنت تعلم ما أقول عذرتني أو كنت أجهل ما تقول عذلتك لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعلمت أنك جاهل فعذرتك أي: لو كنت تدري ما أصنع لما لمتني، ولو كنت لا أعلم أنك جاهل للمتك، لكن جهلت أنت ما أعلم فلمتني، وعلمت أنك لا تعلم فعذرتك! الشاهد: هذه القصائد الشعرية تسمى عند العرب بالشعر الغنائي، وليس معنى قولهم:(الشعر الغنائي) أنه يغنى، ولكن عندهم شعر غنائي هو الشعر الذي تعرفونه، وعندهم شعر قصصي وهو ما يكون على هيئة قصة، والشعر المسرحي -وهذا حديث- وهو ما يكون على هيئة مسرحية، وشعر يكون أحياناً على هيئة مطولات.
والذي يعنينا منها الشعر الغنائي الذي عرفته العرب، ولكون الشعر ذا منزلة عظيمة عند العرب بين الله أن كتابه المبين الذي نزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليس من الشعر في شيء، حتى لا يظن العرب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شاعراً كما زعموا، قال الله جل ذكره:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ}[يس:٦٩ - ٧٠].