للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة قابيل وهابيل ابني آدم]

خاتمة القصص أيها المؤمنون: وفي ذكر القصة تربية للأسرة المسلمة والمجتمع المؤمن كيف يتآخى آحاده, ويتعاضد أفراده، وأن الله جل وعلا كتب لأمة الإسلام أن تكون على قلب واحد, فذكر الله جل وعلا لنبيه صلوات الله وسلامه عليه خبر ابني آدم من قبل، قائلاً جل وعلا: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧].

وجملة القول في هذا الخطاب القرآني, أن آدم عليه الصلاة والسلام كانت زوجته تحمل منه ذكراً وأنثى في كل حمل, فكانت سنة الله جل وعلا له أن يزوج كل حمل من الحمل الآخر, الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر، فكان قابيل وهابيل أخوين من حملين مختلفين, فكأن قابيل رفض أن يأخذ هابيل أخته التي ولدت معه, ربما كانت أبهى من أخته التي حملت مع أخيه, فاحتكما إلى أبيهما فناشدهما أن يقربا إلى الله جل وعلا قرباناً, فأيهما تقبل قربانه مضى الأمر الذي يريد, فتقدم كل منهما بقربان إلى الله جل وعلا فاختار قابيل أسوأ ما يملك, واختار هابيل أطيب ما يملك، فجاءت نار فحرقت قربان هابيل دلالة على القبول, وبقي قربان قابيل على حاله, فاشتاط غضباً ودب في قلبه الحسد لأخيه, والحسد والعياذ بالله أول نقطة في طريق البغضاء وسفك الدماء.

فلما دب في قلبه الحسد أخذ الحسد ينمو مع الأيام ويزداد, حتى قرر أن يتخلص من أخيه, عمد إلى أخيه بعين جاهرة, قائلاً له: {لَأَقْتُلَنَّكَ} [المائدة:٢٧]، فأجابه: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة:٢٨].

فأخبر أن خوفه من الله يمنعه من المبادرة بسفك الدماء أو حتى أن يرد على أخيه مع أنه لو رد عليه لكان ذلك مشروعاً كما بين نبينا صلى الله عليه وسلم، {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [المائدة:٢٩].

لكن هذا الرد المبني على الحجج والبراهين لم يقنع قابيل , فأخذ الشيطان يسول له ونفسه الأمارة بالسوء: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:٣٠].

فمكث يحمله من مكان إلى مكان لا يدري ما يصنع به؛ لأنه كان أول سفك دم في الأرض, قال عليه الصلاة والسلام: (ما قتل نفس نفساً إلا كان على نفس ابن آدم الأول منها الوزر) لأنه كان أول من سن القتل.

فلما فعل ذلك بعث الله جل وعلا غراباً يبحث في الأرض بعد أن قتل غراباً آخر، قال تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة:٣١].

المقصود من هذا كله: أن تعلم أن الله جل وعلا يبتلي الناس بعضهم ببعض, فيبتلي الغني بالفقير, ويبتلي الحاكم بالمحكوم والمحكوم بالحاكم، ويبتلي الناس طوائف شتى بعضهم ببعض, هذه سنة لا تتبدل وخبرة لا تتغير, قال الله في الفرقان: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان:٢٠].

وعندما ينظر الإنسان إلى من هو أغنى منه فيدب في نفسه السخط على قدر الله, فيتذكر أن هذه الأمور تمضي بقدر الله فيصبر حتى يلقى الله عز وجل صابراً فيعوضه الرب تبارك وتعالى على صبره.

على هذا جرت سنة الله جل وعلا في خلقه, غني وفقير، أمير ومأمور, وقس على ذلك ما شئت من الخلق, فإذا فطن الناس إلى هذا البرهان القرآني والعظة الربانية، قَبِلَ الناس بعضهم بعضاً على أي حال كان, فإن دب فيهم داء الأمم التي قبلهم من: الحسد والبغضاء والشحناء وسفك الناس دماء بعضهم البعض.

وسفك الدماء -عياذاً بالله- من أكبر الكبائر وأجل الذنوب، حتى إن الله قال في كتابه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء:٩٢] أي: لا يتصور شرعاً أن يقتل مؤمن مؤمناً عمداً, وقال الله بعدها: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:٩٣].

ولَزَوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن.