من هذه الأخبار التي أخبر عنها صلى الله عليه وسلم تتضح أمور، أعظمها أن الهداية بيد الرب تبارك وتعالى، وهذا أكثرنا القول فيه لخطر أمره، ولاشتداد الحاجة إليه، وينبغي أن يعمد الناس إلى الاستغاثة بربهم والاستعانة به، وسؤال الله جل وعلا الثبات في الفتن، والصبر على المحن، وحسن الوفادة عليه جل وعلا، فتلك من أعظم المطالب، وأسمى الغايات التي يرجوها العبد من ربه.
الأمر الثاني: أن يعلم العبد أن الناس منهم أئمة في الخير ومنهم أئمة في الشر، وكلمة إمام لوحدها لا تعني مدحاً ولا تعني ذماً، قال الله جل وعلا عن فرعون وآله:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}[القصص:٤١]، وقال الله جل وعلا عن الصالحين من خلقه:{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان:٧٤]، فكما أن المسيح الدجال داعية لفتنة عظيمة فإن عيسى بن مريم داعية هدى ورشد، وداعية إلى الخير صلوات الله وسلامه عليه، والإنسان يتأمل نفسه وينظر صنيعه، ويحاسب ذاته في أقواله وينظر هل هو ممن يدعون إلى الخير ورأس هدى في البر، أو هو ممن تنكر الطريق وسلك طريق الأشرار، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
الكذب أيها المؤمنون مطية سوء، ولهذا المسيح الدجال عرف بالكذب وهو أعظم ما عرف به، وأعظم الكذب الكذب على الرب جل وعلا، وادعاء الألوهية، وهذا الكذب المحض الذي يرقى إليه شيء، وهو داخل في قول الله جل وعلا:{وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[البقرة:١٦٩].
والإنسان مهما علا سلطانه وعظم بنيانه، وفخر بأي شيء آتاه الله جل وعلا إليه فإن مصير الخلق كلهم إلى زوال، ثم تبقى الأمور واحدة من ثلاثة: ما لا يكون بالله لا يكون، وما يكون لغير الله يضمحل ويفنى ولا يبقى له أثر، وما يكون بالله ولله هو الذي يبقى نفعه وإن ذهب أثره ينفع الله جل وعلا به من يشاء من عباده.
هذا ما أعان الله جل وعلا على قوله حول فتنة المسيح الدجال.