الطريق للخشوع أن يعظم الله خارج الصلاة، فمن عظم الله خارج الصلاة باتباع أمره واجتناب نهيه يرزقه الله الخشوع إذا وقف بين يديه.
أما من يعرض عن الله خارج الصلاة كمن يعق والدته أو والده وهو ذاهب إلى المسجد، ويظلم جاره أو صديقه وهو ذاهب إلى الحرم، أو يسب هذا ويلعن هذا، أو يمنع الأجراء والعمال الذين تحت يده حقهم، ثم يقف بين يدي من أمره بهذا كله وينتظر خشوعاً أنى له أن يخشع؟ يقول بعض الفضلاء: الاستعداد للصلاة والوضوء مبكراً والذهاب إلى المسجد مبكراً هذه عوامل ثانوية، والعوامل الحقيقية أن يعمل الإنسان بالقرآن والسنة قبل أن يقف بين يدي الله.
أنى لقلب أن يخشع وقد ترك وراءه والدة غاضبة وأجيراً يدعو الله جل وعلا عليه! أنى لقلب أن يخشع وهو يسب فلاناً ويلعن فلاناً.
أنى لقلب أن يخشع وهو يسهر الليل على ما حرم الله؟ لا يمكن لهؤلاء أن يخشعوا، لكن من عظم أمر الله حق التعظيم إذا وقف بين يدي الله يرزقه الله الخشوع حتى ولو كان خصمك عاصياً، والله لن تغلب من عصى الله فيك بأعظم من أن تطيع الله فيه.
يقولون: إن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه مر على بستان للأنصار وفيه ثلاثة شبان أو أربعة يشربون الخمر، فصعد على السور ونزل عليهم فقالوا: يا أمير المؤمنين، نحن جئنا بواحدة وأنت جئت بثلاث إن الله يقول:{وَلا تَجَسَّسُوا}[الحجرات:١٢] والله يقول: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}[البقرة:١٨٩] والله يقول: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}[النور:٢٧] وأنت تجسست وأتيت من فوق السور ولم تستأذن فرجع عنهم لأنهم حاجوه بالقرآن رغم أنهم يشربون الخمر.
قال حافظ: وفتية أولعوا بالراح وانتبذوا لهم مكاناً وجدوا في تعاطيها ظهرت حائطهم لما علمت بهم والليل معتكر الأرجاء ساجيها قالوا مكانك قد جئنا بواحدة وجئتنا بثلاث لا تباليها فائت البيوت من الأبواب يا عمر فقد يزن من الحيطان آتيها ولا تجسس فهذه الآي قد نزلت بالنهي عنه فلم تذكر نواهيها فعدت عنهم وقد أكبرت حجتهم لما رأيت كتاب الله يمليها وما أنفت وإن كانوا على حرج من أن يحجك بالآيات عاصيها من نفذ أوامر الله خارج الصلاة يرزق الخشوع والبكاء بين يدي الله، والله يقول:{وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}[ص:٢٤].