والمقصود أن الله دعا عباده أجمعين إلى تقواه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}[الحج:١]، وهنا خلاف واقع بين العلماء: متى تكون زلزلة الساعة؟ وللعلماء رحمهم الله في هذه المسألة قولان: فقال فريق منهم: إن زلزلة الساعة المقصود بها آخر أيام الدنيا قبل بعث القبور.
وحجة من قال بهذا القول: أنه بعد البعث والنشور لا حمل ولا رضاع، وأن الزلزلة بمعنى التحريك إنما تكون قبل فناء الناس، وإنما يكون هذا في آخر أيام الدنيا، وهذا القول قال به طائفة من السلف، واختاره بعض المفسرين، وله حظ كبير من النظر، إلا أن هذا التفسير يعارض نصاً صريحاً، وما دام يعارض نصاً صريحاً فإنه يعتذر لمن قال به من العلماء، ويؤخذ بالنص الصريح.
والنص الصريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وأرضاه:(إن الله جل وعلا يقول لآدم يوم القيامة: يا آدم! فيقول آدم: يا رب! لبيك وسعديك، فيقول الله له: يا آدم! أخرج بعث الناس، قال: يا رب! وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فقال صلى الله عليه وسلم: فعندها يشيب الصغير، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، فشق ذلك على الصحابة فبكوا رضي الله عنهم وأرضاهم، فرق لهم صلى الله عليه وسلم وقال: أبشروا منكم واحد ومن يأجوج ومأجوج كذا وكذا، ثم قال: إني لأرجو الله أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا، ثم قال: أرجو الله أن تكون ثلث أهل الجنة فكبروا، ثم قال: إني لأرجو الله أن تكونوا شطر أهل الجنة فكبروا)، جعلنا الله وإياكم ممن يدخل في هذا الدعاء النبوي.
قال الله:{إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}[الحج:١] هذه الزلزلة اتفقنا على أن المختار من أقوال العلماء أنها بعد البعث، فيأتي هنا إشكال وهو: كيف يكون هذا الزلزال والناس على أرض بيضاء نقية؟ وهنا يجب أن يقال: ليس المقصود بالزلزلة هنا تحريك الأرض، وإنما المقصود تحريك القلوب بما يقع فيها من فزع ورعب وخوف، هذا المقصود بزلزلة الساعة.
فإن قال قائل: أين الدليل من القرآن على أن الزلزلة تأتي بالخوف؟ قلنا له: قال الله جل وعلا في سورة الأحزاب: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}[الأحزاب:١١]، ومعلوم أن معنى آية الأحزاب بالاتفاق زلزلوا زلزالاً شديداً بما كان هناك من خوف ورعب وفزع في القلوب جراء إحاطة الأحزاب بالمدينة، فهذا يدل على أن الزلزلة في القرآن تطلق على ما يقع في القلب من رعب وخوف وفزع، فينتهي بذلك الإشكال.