فضيلة أن يكون الإنسان عبداً صالحاً
والمقصود من هذا السياق: أن الدخول في عباد الله الصالحين مطلب عظيم ومرتقى صعب طالما طلبه أنبياء الله ورسله، والأخيار من العباد، والمتقون من الخلق يفزعون إلى الله في أدبار الصلوات وأثناء السجود وغير ذلك من أماكن وأزمنة الإجابة أن يجعلهم في زمرة عباد الله الصالحين، فمرتبة العبد الصالح غاية عظيمة جليلة؛ لأن الله جل وعلا وعد عليها جنات عدن في الآخرة، ووعد عليها عظائم الأمور في الدنيا.
والعبد الصالح لفظة شرعية مباركة جاءت في القرآن وفي السنة، جاءت في القرآن وقفاً على أعلام، وجاءت في السنة وقفاً على أعلام، وجاءت في القرآن والسنة صفات مطلقة لعباد غير مذكورة أسماؤهم كما سيأتي بيانه.
النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالشرع وأحرص العباد على أن ينتفع الخلق، يذكر بالله ويدعو إليه ويعرف به، ومما كان صلى الله عليه وسلم يعلمه أصحابه: أنه صلى الله عليه وسلم مر بهم ذات يوم فسمعهم يقولون في التشهد: السلام على جبريل وميكال السلام على فلان وفلان.
فلما فرغ من صلاته التفت إليهم وقال: (لا تقولوا هذا، قولوا: التحيات إلى الله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ثم قال صلى الله عليه وسلم: فإنكم إن قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء أو في الأرض).
فهذا مما قصد صلى الله عليه وسلم أن يعلمه أصحابه، أن يكون من الفوز الذي ينشدونه والغايات التي يطلبونها أن يكون من عباد الله الصالحين، فإن كان الإنسان عبداً صالحاً فإن قول المصلي في صلاته: السلام علينا وعلى عباد الله الصاحين يدخل هذا المؤمن التقي النقي في زمرة من دعا له ذلك المصلي في صلاته.
هذا الأدب النبوي ينجم عنه أمور لا بد من ذكرها، في المقام الأول الملائكة فإيمانهم لا يزيد ولا ينقص؛ لأنهم {لا يَعْصُونَ اللَّهَ} [التحريم:٦] فينقص الإيمان {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦] فقد جبلوا على الخير وحرموا من الشر، فلا يزيد إيمانهم ولا ينقص.
وأما الأنبياء والمرسلون عليهم السلام فإن إيمانهم لا ينقص؛ لأنهم لا يعصون الله، وإيمانهم يزداد لأنهم يطيعون الله تبارك وتعالى، وأما غير الأنبياء والمرسلين وغير الملائكة من الجن والإنس فإن إيمانهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، يزيد بالعمل الصالح وينقص بترك العمل الصالح والجنوح إلى المعاصي، ولا يعني ذلك أن العبد الصالح لا يعصي الله أبداً؛ لكنه أقرب إلى زمرة الفلاح منه إلى زمرة الذين ابتعدوا عن طريق الله المستقيم.
والعبد الصالح ينبغي أن يعلم أن العباد يتفاوتون تفاوتاً عظيماً في عبادتهم لربهم جل وعلا، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن من أمتي من يدخل الله بشفاعته أكثر من مضر الجنة)، ومضر هي القبيلة العربية المعروفة، فيوجد من صالحي الأمة من يدخل الله بشفاعته الجنة أكثر من قبيلة مضر.
ثم قال صلى الله عليه وسلم في الحديث - وهو عند أحمد بسند صحيح -: (وإن من أمتي من يعظم في جهنم حتى يصبح زاوية من زواياها) فالناس يتفاوتون تفاوتاً عظيماً.