[استخدام الترغيب والترهيب في الدعوة إلى الله]
فلما أكمل أمره لجأ عليه الصلاة والسلام إلى أسلوبين لابد لكل معلم ومربّ وداعية منهما: أسلوب الترغيب, وأسلوب الترهيب.
فبعد أن عرض ما عنده قال: {وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود:٨٩]، ذكرهم بأيام الله الخوالي ووعظهم بأهل القرون الخالية والسنين الغابرة، كيف نكّل الله جل وعلا بهم لما خرجوا عن أمر الله.
وقوله: {ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي} [هود:٨٩]، إدراك لما في النفس الإنسانية، أن النفوس إذا أحبت أحداً أقبلت عليه ولو سقاها العلقم, وإذا أبغضت أحداً أدبرت عنه ولو أعطاها العسل صافياً! علم أنهم أبغضوه -لأنهم حسدوه على أنه نبي رسول- عرف قطعاً أنهم لن يقبلوا منه فقال: {وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ} [هود:٨٩].
وقبل أيام -وهذا من جيد القول- أجرت إحدى الصحف لقاء مع السفير الإيطالي في بلادنا، الذي أعلن إسلامه مؤخراً، فقال كلمة تنطبق قريباً من تفسير هذه الآية، قال: ليس الأصم من لا يسمع، ولكن الأصم حقيقة من لا يريد أن يسمع؛ لأن الأصم حقيقة تستطيع أن تصل له بطريقة أخرى، لكن الذي لا يريد أن يسمع يصعب عليك إيصال الخير إليه، وكثير من الناس والعياذ بالله يكتب على نفسه الصمم، وهذا يواجه الدعاة والمربين والمعلمين كثيراً.
فالبعض يكتب على نفسه الصمم، فلا يريد أن يسمع، ولا يريد أن يقبل، بل إن من الناس من يريد ألا يفكر أصلاً، والناس في التفكير ثلاثة: شخص لا يستطيع أن يفكر، فهذا مجنون.
وشخص لا يريد أن يفكر، فهذا متعصب لما هو عليه.
وشخص لا يجرؤ أن يفكر، وهذا والعياذ بالله عبد من العبيد لا يستطيع أن ينفك عن السير الذي هو عليه.
قال: {وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ} [هود:٨٩]، ثم أفرد قوم لوط بالذكر قائلاً: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود:٨٩].
وهنا تظهر احتمالات ثلاثة: إما أن يكونوا غير بعيدين عنهم مكاناً، أو زماناً، أو صفات, وأراد شعيب الثلاثة كلها: فقوم شعيب كانوا قريبين أرضاً من قوم لوط فكلهم في أطراف الشام.
وكانوا قريبين زمناً, قال المؤرخون: ليس بين لوط وشعيب كبير زمن.
ثم إنهم قريبون في الصفات، فكلا الفريقين مشركان بالله جل وعلا، شائع فيهما المنكرات في أنديتهم ومجالسهم، لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة.
ثم لجأ إلى الترغيب بعد أن أخذهم بالترهيب, فقال: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود:٩٠] , وذيّل ذلك الاستغفار بأنه رحيم ودود، والله جل وعلا أرأف من ملك، وأجل من ابتغي، وأوسع من أعطى، وأرحم من سئل، ولا ينبغي لمن يتصدر للدعوة أن يقنط الناس من رحمة الله جل وعلا مهما بلغت ذنوبهم ومهما بلغت معاصيهم, قال الله جل وعلا على لسان الخليل إبراهيم: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:٥٦]، وقال الله جل وعلا على لسان يعقوب: {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:٨٧].