[من أعظم لوازم التوحيد محبة الله تعالى]
وينبغي أن يعلم أن لهذا التوحيد لوازم، ولهذا التوحيد نور يقذفه الله في القلوب، ومن أعظم لوازم توحيد الرب تبارك وتعالى: محبته جل وعلا محبة لا يقارن بها محبة غيره كائناً من كان، قال الله جل وعلا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥].
فبين جل وعلا أن صفات عباده المتقين وأولياءه المؤمنين عظيم المحبة لربهم تبارك وتعالى، وليس العجيب أن يحب العبد ربه، ولكن المؤمل والفوز والسعادة أن يحب الرب عبده، وإن عبداً أحبه الله لن تمسه النار أبداً.
قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:١٨] قال الله جل وعلا جواباً عليهم: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} [المائدة:١٨].
قال العلماء في تفسيرها: لو كانوا أحباء الله لما عذبهم، وقد جاء في الأثر الصحيح: (إن الله لا يلقي حبيبه في النار).
وهذا لا يقع من أفراد الناس وآحاد العوام أنهم يعذبون من يحبون، فكيف يقع من رب العالمين الرحمن الرحيم جل شأنه وعز ثناءه؟! والمقصود: أن محبة الرب تبارك وتعالى تكون أولاً بمحبة العبد لربه جل وعلا، ومحبة العبد لربه هي المنزلة التي شمر إليها العاملون، وتنافس فيها أولياء الله المتقون، وتسابق فيها على مر الدهور وكر العصور الصالحون السابقون، فمحبته جل وعلا تنال بأداء الفرائض على أكمل وجه، ثم بإتيان النوافل، وفي الحديث القدسي الصحيح: (ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها).
وهذه الأربع كلهن كناية عن كمال التوفيق من رب العالمين جل جلاله، وإذا أحب الله عبداً وفقه في الدنيا والآخرة، ورزقه الشهادة عند الموت، ورزقه التوفيق وحسن الاختيار في طرائقه إلى الله جل وعلا، وألهمه الله الصبر على المحذور، وبين الله جل وعلا له الحرام فيتقيه، والواجب فيأتيه، والسنن فيسابق إليها، وأضاء الله جل وعلا له طريقه، وأنار الله جل وعلا له مسلكه، وساقه الله جل وعلا إليه سوقاً جميلاً.
ومحبة الله قال العلماء: إنما تنال بأن يحرص الإنسان على اتباع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأخلاقه صلوات الله وسلامه عليه، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:٣١].
فمن أكبر الدلائل وأجل القرائن على أن العبد يحب الله: حرصه على إتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم أينما كانت وحيثما نزلت، فيتلبس بها في المنشط والمكره، والعسر واليسر، ويسابق في ذلك قرناءه وخلانه ومن يراهم من الناس؛ رجاء ما عند الله جل وعلا من الخير، لأنه لا يعدل بالفوز بمحبة الرب تبارك وتعالى شيئاً.
والعبد إذا أحب الله جل وعلا كان مهيئاً إلى أن يحبه الرب تبارك وتعالى، وهذا أعظم لوازم توحيد الله، فإذا وقر في الإنسان محبة الله جل وعلا وفق، ودل ذلك على أنه معظم لله موحد لربه سبحانه وتعالى، وهذه منزلة كلٌّ يدعيها، وكلنا يطلبها، ولكن الحياة ميدان عمل ومركب شامل يتسابق فيه الأخيار.
فتسابقوا أيها المؤمنون والمؤمنات! إلى ما يقربكم من الرب تبارك وتعالى, فائتوا بالفرائض بلا توان، وتسابقوا في النوافل؛ عل الله جل وعلا أن يحبكم، فإن محبة الله جل وعلا منزلة وأي منزلة، وهي أعظم ما يطلبه الطالبون، وأجل ما يسعى إليه المؤملون؛ لأنها من أعظم نور يقذفه الله جل وعلا في قلوب الموحدين من عباده.