للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علم التوحيد هو حياة الدين]

وقال في أول الأمر رحمة الله: علم هو حياة الدين ألا وهو علم التوحيد.

ولا ريب أن التوحيد هو حياة الدين كله؛ لأنه أول شيء يدخل به المرء الملة، فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وقال له: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله)؛ لأنه لا يدخل امرؤ في الدين، ولا يجري عليه أحكام الشرع ويطالب بأمر وينتهي عن نهي، حتى يقيم التوحيد أولاً، فجعل الله جل وعلا القول بالتوحيد والنطق به والاعتقاد به المدخل الأعظم لدينه تبارك وتعالى، كما جعل في الخاتمة أن من كان آخر كلامه الاعتقاد بالتوحيد والتلفظ به كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، قال صلوات الله وسلامه عليه: (من كان آخر كلامه في الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة).

وعلى النقيض من ذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم الشرك بالله جل وعلا أعظم الكبائر وأعظم السيئات، كما أن توحيد الله جل وعلا أعظم الحسنات بلا ريب، قال صلى الله عليه وسلم وقد سأله عبد الله بن مسعود: يا نبي الله أي الذنب أعظم؟ قال: (أن تجعل لله نداً وقد خلقك).

ولقد نعى الله على أهل الإشراك من اليهود والنصارى، وكفار قريش وسائر الكفرة، أنهم جعلوا لله جل وعلا شريكاً, أو زعموا لله ولداً وصاحبة, أواتخذوا مع الله تبارك وتعالى نداً، كل ذلك نعى الله جل وعلا على من صنعه أعظم النعي، ويؤكد هذا أن الله ما بعث نبياً ولا رسولاً إلا وجعل التوحيد أعظم ما يدعون به أممهم، ولهذا كانت الخصومة قائمة ما بين الأمم وبين رسلهم في قضية توحيد الله وإفراده تبارك وتعالى بالعبادة.

قال صلى الله عليه وسلم لـ معاذ: (أتدري ماحق الله على العباد؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً).

ويؤكد هذا أن الله ما بعث نبياً ولا رسولاً إلا وألزمه هذا.

قال العلماء رحمهم الله عند تفسير قول الله جل وعلا: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:٤٥] قالوا: يروى عن ابن عباس وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به إلى المسجد الأقصى تقدم جبريل فأذن ثم أقام، ثم أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالنبيين إماماً، فصلى خلفه النبيون والمرسلون سبعة صفوف، ثلاثة منهم من صفوف المرسلين، وأربعة من الأنبياء، خلفه مباشرة إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وموسى وعيسى عليهم أجمعين صلوات الله جل وعلا وسلامه.

فلما انفتل صلى الله عليه وسلم من صلاته قال لهم: إن الله قد أوحى إلي أن أسألكم: هل أرسلكم الله جل وعلا أن يعبد أحد غير الله؟ فقال له أنبياء الله ورسله وهم شهداء على ما أوكل الله جل وعلا إليهم، قالوا: إن الله جل وعلا أوحى إلينا أن ندعو بدعوة واحدة: أن لا إله إلا الله، وأن ما يدعون من دونه باطل) فاتفقت كلمة الأنبياء والمرسلين من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم على أن دين الخلائق كلهم الذي يقبله الله جل وعلا منهم هو توحيده تبارك وتعالى، وإفراده بالعبادة جل وعلا وحده دون سواه.

قال ابن القيم رحمه الله: هو دين رب العالمين وشرعه وهو القديم وسيدُ الأديانِ هو دينُ آدم والملائك قبله هو دين نوحٍ صاحبِ الطوفانِ هو دينُ إبراهيم وابنيهِ معاً وبهِ نجا من لفحة النيرانِ وبهِ فدا الله الذبيح من البلا لما فداهُ بأعظم القربانِ هو دينُ يحيى مع أبيه وأمهِ نِعم الصبيُ وحبذا الشيخانِ وكمال دين الله شرع محمدٍ صلى عليهِ مُنزل القرآن.

فالرسل أجمعون والأنبياء معهم والصالحون والأخيار على هذا الطريق إلى أن يلقوا الله؛ لأن الله جل وعلا لا يقبل من أحد صرفاً ولا عدلاً حتى يقيم توحيده تبارك وتعالى.