ومما دلت عليه هذه السورة الكريمة من قضاياها أن الله جل وعلا ما ابتلى أحداً بذنب أو بلاء أو عقوبة أعظم من قسوة القلب، قال وهب بن منبه رحمه الله: ما ابتلى الله قوماً بشيء أعظم من قسوة قلب، قال الله جل وعلا:{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الزمر:٢٢]، و (من) هنا اختلف العلماء في بيانها نحوياً ولغوياً، ولكن الأظهر -كما اختاره الطبري رحمه الله- أنها بمعنى:(عن)، فيصبح معنى العبارة: فويل للقاسية قلوبهم عن ذكر الله.
وأما قوله جل شأنه:{فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ}[الزمر:٢٢] فقد قال العلماء في بيانه جملةً: إذا كان القلب معرضاً عن الله ملتفتاً إلى غيره فهو قلب قاس، وإذا كان القلب مقبلاً على الله معرضاً عن غير الله فهو القلب اللين، وما ابتلى العبد بشيء أعظم من أن يتعلق بالأشباح والصور من دون الرب تبارك وتعالى، ويعرض عن الله، فيجد أنسه وفرحته في مجالس لا يذكر الله جل وعلا فيها طرفة عين، ويجد فرحته وأنسه في مواطن يُعصى الله جل وعلا فيها جهاراً، ويجد أنسه ورغبته وحياته في سفر بعيد عن مواطن يرفع فيها الآذان، وتقام فيها الصلوات.
أما الذين ألان الله جل وعلا قلوبهم فإنهم -وإن قرت أعينهم ببعض المجالس المباحة- لا تقر أعينهم وقلوبهم بشيء أعظم من مواطن يذكر الله جل وعلا فيها.