أما الصفة الخلقية فإن نبينا صلى الله عليه وسلم لم تكتحل أعيننا وأعينكم برؤيته، ولكنه عليه الصلاة والسلام كما قالت الربيع بنت معوذ رضي الله عنها لما سألها محمد بن عمار بن ياسر فقال: يا أمه! صفي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقالت: يا بني! لو رأيته لرأيت الشمس طالعة.
وقيل للبراء بن عازب رضي الله عنه وأرضاه: أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ فقال: لا، بل مثل القمر.
وقال جابر بن سمرة رضي الله عنه -كما عند مسلم في الصحيح- قال:(خرجت في ليلة أضحيان -أي: القمر فيها مكتمل- فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إلى القمر وأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهو عندي أجمل من القمر).
فنبينا عليه الصلاة والسلام كان سبط الشعر، أي: أن شعره ليس مسترسلاً ناعماً ولا ملتوياً، وفي جبهته عليه الصلاة والسلام عرق يدره الغضب، إذا غضب في ذات الله يمتلئ هذا العرق دماً، وكان صلى الله عليه وسلم أزج في غير قرن، ومعنى (أزج): دقيق شعر الحواجب، (في غير قرن) أي: لم يكن حاجباه، ملتصقين أشكل العينين، أشم الأنف، ضليع الفم، مهذب الأسنان، كث اللحية، الشيب في شعره ندرة، أي أنه متفرق، ففي رأسه منه قليل، وفي صدغه الأيمن والأيسر، وأكثر شيبه في عنفقته أسفل شفته السفلى، وجميع شيبه لا يكاد يتجاوز عشرين شعرة، وكان أبيض مشرباً بحمرة، وبياض اليدين وأسفل الساقين كأنه يميل إلى السمرة؛ لتعرضه للهواء، وداخل الإزار أبيض ناصع البياض، قال أنس:(كأني أرى بياض فخذي النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر) كأن عنقه إبريق فضة، بعيد ما بين المنكبين، ما بين كتفيه من الخلف إلى جهة الشمال شعيرات سود اجتمعن بعضهن إلى بعض ناتئات عن الجسد قليلاً، كأنهن بيضة حمامة عرفت بخاتم النبوة، ومن الوهدة -وهي الثغرة التي في النحر- إلى أسفل سرته خيط ممتد، أي: شعر على هيئة خيط ممتد، يعبر عنه عند الرواة بأنه دقيق المسربة، ليس في صدره ولا بطنه شعر غيره، سواء البطن والصدر، ضخم الكراديس، أي: عظام المفاصل، إذا مشى يتكفأ تكفؤاً، كأنما ينحدر من مكان عال، بمعنى أنه يتكئ على أمشاط قدميه أكثر مما يتكئ على كعبيه، وإذا أشار أشار بيده كلها، وإذا ناداه أحد التفت ببدنه الشريف كله، ولا يلتفت برقبته فقط، وإذا تعجب من شيء قلب كفيه، وقال: سبحان الله! وعند البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح أنه (كان إذا تعجب من شيء عض على شفتيه) صلوات الله وسلامه عليه، من رآه من بعيد هابه، ومن رآه من قريب أحبه، عمر ثلاثةًً وستين عاماً، ولد وأبوه متوفى في أظهر أقوال العلماء، وأمه آمنة بنت وهب من بني زهرة الذين منهم سعد بن أبي وقاص، فكان نبينا عليه السلام إذا رأى سعداً يقول: هذا خالي، فليرني امرؤ خاله.
وعاش في كنف أمه ست سنين، أربع منها كان فيها مع مرضعته حليمة في بادية بني سعد، ثم أرجع إلى أمه، وكانت شفيقة رفيقة به، فلما مر على قبرها بالأبواء وقف على قبرها وبكى، فسأله الصحابة: ما يبكيك؟ فقال:(هذا قبر أمي آمنة، فقد سألت الله أن أستغفر لها فلم يأذن لي، وسألته أن أزور قبرها فأذن لي، فلما زرت قبرها تذكرت رقتها علي)، فبكى صلوات الله وسلامه عليه، وبكى الصحابة معه تبعاً لبكاء نبيهم رضي الله عنهم وأرضاهم.