[شرف اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم]
أخيراً أيها المؤمنون! نقول بعد هذه المحاضرة من (نبأ المرسلين) كوصية عامة: هناك أمور تفوت، وهناك أمور يمكن إدراكها، فأما ما فات وليس لك به حول ولا طول فمن السفه أن أكلفك أو أن يكلفنا أحد أن نحاول إدراكه وقد فات، وأما ما يمكن إدراكه فإنه ينبغي أن نسعى جميعاً لإدراكه، وإن من الأمور التي مضت وليس بيدي ولا بيدك ولا بيد غيرنا سبيل إليها: أن نكون صحابة لرسولنا صلى الله عليه وسلم، فنبينا صلى الله عليه وسلم قد أفضى إلى ربه، وأصحابه رضوان الله تبارك وتعالى عليهم قد أفضوا إلى ربهم بعد أن نصروا دين الله وعزروه ووقروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه.
فهذا الأمر ليس من المعقول أن نسعى إليه أو أن ندعو الله به، فإن هذا أمر قد مضى، والله جل وعلا لا يحب الاعتداء في الدعاء: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:٥٥]، لكن الأمر الذي يمكن إدراكه شرف إتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا بإذن الله إن أخلصت النية لله لا يمنعك مانع من اتباع هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فما الذي يصدك عن اقتفاء أثر الأنبياء والمرسلين وقد سمعت منه، وقد يهيأ الله لك رجلاً خيراً منا ينبئك خيراً مما قلنا؟ ما الذي يمنعك ويصدك أن تقتفي أثر الأنبياء والمرسلين؟ قال الله جل وعلا: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:٩٠].
وهناك بشارة ولعلني مسبوق في توصيلها إليك، ولكن إن كانت قد سبقت إليك فاجعلها من التذكير، وإن لم تكن سبقت إليك فاجعلها من التبشير، خرج صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح إلى المقبرة ذات يوم -إلى البقيع- فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون ونحن اللاحقون، ثم التفت صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وقال: وددت لو أني رأيت إخواننا، قالوا يا رسول الله! ألسنا إخوانك، قال: لا، بل أنتم أصحابي، ولكن إخواني قوم لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض -أي سابقهم إلى الحوض-، قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أرأيتم لو كان لأحدكم خيل غر محجلة في خيل دهم بهم أكان يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فإن إخواني يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض).
فهذا باب رحمة مفتوح لكن أين المتبعون؟ وهذا باب رحمة مفتوح لكن أين المقتدون؟ وهذا سبيل المهتدين، وهو سبيل إلى رضوان الله جل وعلا فما لذي يمنعنا من أن نسلك طريق الأخيار؟ وما الذي يمنعنا من أن نسلك طريق الأبرار؟ إنها أخي! غمضة عين وتموت ثم إن أخلصت النية فالجنة، كان أبو حازم رحمة الله تعالى عليه يمر على السوق وهو أحد أئمة السلف الكبار فيقال له: يا أبا حازم هلا اشتريت لحماً؟ قال: ليس معي نقود حتى أشتري لحماً، قالوا: يا أبا حازم نصبر عليك حتى تملك النقود، قال: إن كانت المسألة مسألة صبر فأنا أصبر حتى أدخل الجنة.
ثقة بأن الله جل وعلا أعد الجنة للمؤمنين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف:١٠٧ - ١٠٨].
ختاما أيها المؤمنون! شكر الله لكم حضوركم، وشكر الله لكم إصغائكم، وأسال الله جلّت قدرته أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا.
كما أنني أود أن أنبه إلى أن هذه المحاضرة تقام ولا يخفى على أحد أحوال المؤمنين المسلمين المستضعفين في الأرض؛ في ألبوسنا والهرسك خاصة، وفي الشيشان، وفي أرض كشمير وفي غيرها من بلاد الله جل وعلا، ولا ريب أن لهؤلاء المؤمنين المستضعفين حقوقاً عظيمة علينا، ولا ريب أن من تلك الحقوق أن نصرع إلى الله جل وعلا ونفزع إليه أن ينصرهم، فإني داع دعاء الضعيف المسافر؛ عل الله جل وعلا أن يجعل من تأمين أحدكم أمراً يقبل به هذا الدعاء، عل الله أن يرفع عن إخواننا الضر.
اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد، الفرد الصمد، الحي القيوم، الذي لم يلد ولم يولد، اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت القوي العزيز، القاهر الغالب، اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد، الفرد الصمد، الحي القيوم، الذي لم يلد ولم يولد، اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت في السماء عرشك، وفي الأرض سلطانك، اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت نجيت نوحاً وإبراهيم، اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت نصرت محمداً وصحبه، اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت لا يخلف وعدك، ولا يهزم جندك، ولا يرد أمرك، سبحانك وبحمدك، نفزع اللهم إليك في هذه الساعة، نحن العباد الفقراء إلى عفوك ونصرك، نسألك اللهم لإخواننا المؤمنين في البوسنا والهرسك خاصة، وفي كل ديار العالمين يا رب العالمين أن تفرج كربهم وتنصرهم يا حي يا قيوم! اللهم كن لهم ولياً ونصيراً، اللهم كن لهم ولياً ونصيراً، اللهم كن لهم ناصراً ومغيثاً، اللهم كن لهم في هذا البرد القارس والشتاء الطويل رحمناً رحيماً، مغيثاً معيناً يا رب العالمين.
اللهم إنهم عبادك الذين بطش بهم أعداؤك، اللهم رد كيد الأعداء في نحورهم، اللهم اهزم أعدائك، واشفِ صدور قوم مؤمنين يا حي يا قيوم.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه.