ثم يتتابع حال القوم في محبتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم، والمحبة شيء في القلوب، ويعبر الإنسان عنها بما يقتضيه الحال، وما يمليه المقام، ففي ساحات الحروب كانوا يحيطون به دفاعاً عنه صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك هو ما تمليه المحبة في وقتها، فإذا كان بين أظهرهم وجلسوا معه في مجلسه حفوا به، وغضوا أبصارهم عنه، وهابوا أن يتكلموا بين يديه، واستحوا أن يتقدموا بين يدي الله ورسوله، فإذا أصابهم الأذى وعرضت عليهم الدنيا لم يقبلوها رجاء أن يرضى عنهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فـ خبيب رضي الله عنه يقدم ليصلب وليقتل، فيقول له قاتلوه من مشركي قريش آنذاك: أيسرك أنك في بيتك معافى وأن محمداً مقامك؟ فيقول رضي الله عنه وأرضاه: لا والله لا يسرني ذلك، ولا أن يشاك محمد صلى الله عليه وسلم بشوكة.
وهم مع ذلك رضي الله تعالى عنهم يعلمون أنه صلوات الله وسلامه عليه بشر أكرمه الله بالنبوة، وختم به الرسالة، فكانوا يأخذون عنه الدين، ويأخذون عنه العلم، ويتعلمون منه ما يقربهم إلى الله جل وعلا زلفى.