من براهين تعظيم الله: حسن الظن برب العالمين جل جلاله.
جاء في الأثر أن موسى عليه السلام سأل ربه: يا رب! إني أراهم يقولون: يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب! فعلام خص هؤلاء بأن ذكروا معك؟ فأوحى الله جل وعلا إليه: يا موسى! أما إبراهيم فما خير بين اثنين أنا أحدهما إلا اختارني، وأما إسحاق فقد جاد لي بنفسه وهو بغيرها أجود، وأما يعقوب فكلما ازددته بلاءً ازداد حسن ظن بي.
ووالله! من يعرف عظمة الله وسعة رحمته لا يملك إلا خياراً أوحداً هو: حسن الظن برب العالمين جل جلاله، فنحن نذنب وليس لنا إلا الله يغفر ذنوبنا، نحن نطيع الله بتوفيقه وليس لنا إلا الله يثيبنا على طاعتنا، لنا عيوب تلبسنا بها وليس لنا إلا الله يسترها فمن أحسن الظن بربه تبارك وتعالى كان الله جل وعلا له كظنه بربه تبارك وتعالى.
والمعنى كما جاء في الحديث:(أنا عند حسن ظن عبدي بي أو أنا عند ظن عبدي بي، فليظن عبدي بي ما شاء).
ومن عرف الله وسعة رحمته لا يملك إلا أن يحسن الظن بربه.
اجتمع أبناء يعقوب عليه وهو شيخ كبير شابت لحيته، واحدودب ظهره، وعميت عيناه، ومع ذلك يذكر يوسف:{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}[يوسف:٨٤ - ٨٥].
تمر أقوام وأحداث إلى أن يقول الله جل وعلا عنهم:{قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا}[يوسف:٩٤ - ٩٦].
فذكرهم بحسن ظنه بربه، قال الله:{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[يوسف:٩٦].
وإنني أخاطب كل مبتلى: والله! إن الله أرحم بك من نفسك، وإن الله جل وعلا قادر على أن يغيثك، وأن ما أنت فيه هو خيرة الله وخيرة الله لك خير من خيرتك لنفسك، ويحتاج المرء مع ذلك إلى أن يكثر من ذكر الله، ويصبر نفسه، ويرى سير الأخيار والأبرار الذين صبروا على ابتلاء ربهم تبارك وتعالى.