الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أراد ما العباد فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه، وسع الخلائق خيره ولم يسع الناس غيره.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله نبي الأميين ورسول رب العالمين، آخر الأنبياء في الدنيا عصرا وأرفعهم وأجّلهم يوم القيامة شأناً وذكراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: فإن الأيام لابد لها من أن تقضى وإن الليالي لابد لها من أن تنتهي، وإن الأعمار لابد لها من أن تطوى، والله جل وعلا أراد بنا أشياء وأمرنا بأشياء، وليس من الحكمة أن ننشغل بما أراده بنا عما أمرنا به، والله تبارك وتعالى إذا كان قد أخبر بأن الدنيا فانية، وأن الأعمار ذاهبة، فإن أيام العبد ولياليه ما شغلت بشيء أعظم من تدبره لكلام ربه جل جلاله، وتأمله في آيات القرآن العظيم إما بأن يتلوه، وإما بأن يتدبره، وإما بأن يمن الله عليه بالجمع بين الأمرين، قال جل ثناؤه وتباركت أسماؤه:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأحقاف:٢٩ - ٣١].
فإذا أراد الله بعبد خيراً ألزمه كتابه المبين يتلوه ويتدبره يقرأه في النهار، ويقوم به يدي ربه في الليل، قال جل ثناؤه وتباركت أسماؤه:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[الزمر:٩].