للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدعوة إلى العفاف والنهي عن الاقتراب من الفواحش]

الوقفة الثالثة: مع قول تبارك وتعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:٣٢].

هذه الآية ذكرها الله في جملة آداب خاطب الله جل وعلا بها في أول الأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، والله تبارك وتعالى كما بيّن للمؤمنين علاقتهم مع غيرهم من الأمم، بيّن لهم العلاقة بينهم في المجتمع المسلم على ما ينبغي أن تكون عليه، وأعظم ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المسلم العفاف والحياء، ولقد جاء الدين كله بالعفاف والحياء، وبيان عظيم هذا الأمر عند الرب تبارك وتعالى، فنبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته)، وهذا تحذير للمؤمنين من رب العالمين على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم، والله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور:١٩]، ويذكر النبي صلى الله عليه وسلم بالضد فيقول: (ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)، كما في الصحيحين من حديث ابن عمر.

فهذه كلها آثار تبين أنه ينبغي على المسلم أن يتحلى بالعفاف والحياء، وقد ذكر صلى الله عليه وسلم السبعة المقربين تحت ظل العرش فقال عن أحدهم: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله).

فأعراض المؤمنات من أعظم ما حرمه الرب تبارك وتعالى، ولقد ساعدت الآلة المعاصرة على التصوير الفوتوغرافي والثابت والمرسل والمبعوث عن طريق أجهزة الجوال وغيرها، فيتسلط المسلم على مؤمن أو على مؤمنة، وعلى غلام أو على فتاة، أو على بيت مستور، أو على امرأة في دارها أو خارج دارها فيصورها فيجمع السقطاء من أصحابه والسفهاء من أقرانه ثم يعرض عليهم ما رآه، يفتخر بذلك ويبعثه إلى زيد وإلى عمر، وينسى هؤلاء قدرة الرب تبارك وتعالى عليهم، وأن الله جل وعلا يقول يوم القيامة: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:٦] ويقول تبارك وتعالى: {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت:٢٤]، وينسى أمثال هؤلاء أنه ما من أحد إلا وسيوسد التراب وتُحل عنه أربطة الكفن وسيسأله الملكان، ثم يبعث، وقد جاء في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه عند البخاري وغيره: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه تُرجمان، فيلتفت أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، ويلتفت أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه)، ومن علم ذلك حفظ على نفسه الدين وخشي الله جل وعلا في أعراض المؤمنات وإعراض المؤمنين، وعلم أن الرب تبارك وتعالى يقول: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:٣٢] مع أن الآية آية مكية، ولكن الزنى وقتل النفس بغير حق والشرك بالله اتفقت جميع الشرائع على تحريم كل منها، فما من نبي إلا وحرم على أمته الشرك بالله، وحرم عليها قتل النفس بغير حق، وحرم عليها الزنا، فهذه الثلاث مما اتفقت عليه كلمة الأنبياء والمرسلين، وقد قيل: إن السلامة من سلمى وجارتها أن لا تمر على سلمى وواديها والمؤمن الحق يتقي الله جل وعلا ويعمل بمحكم القرآن، وبمواعظ نبينا صلى الله عليه وسلم، ويحذر من أن يتعرض للمؤمنين والمؤمنات، ويتذكر وقوفه بين يدي الله، وقد ينزع الله عنه الستر، وينزع الله عنه الحفظ وينزع الله جل وعلا عنه الكلأ، فيفضحه الله تبارك وتعالى على رءوس الأشهاد، وإن لم يكن ذلك في الدنيا فضحه الرب تبارك وتعالى في الآخرة، فيرى في قبره ما يتمنى معه أنه يعود إلى الدنيا حتى يتحلل من إيذاء المؤمنين والمؤمنات والتعرض لأعراضهن، والخوض في الحديث عنهن، عافانا الله وإياكم من ذلك.