ليتذكر المرء أن هناك (لو) وهناك (لولا)، و (لو) عند النحويين حرف امتناع لامتناع، و (لولا) حرف امتناع لوجود، فلو أن أحد الإخوة لم يستطع الحضور إلى مكان ما فإنه يقول: لو كان زيد موجوداً لأتيت، فانتفى إتيانه لانتفاء وجود زيد، وأما (لولا) فتكون حرف امتناع لوجود.
وللفظتين تطبيق في القرآن، فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يُري الله أهل الجنة مقاعدهم في النار التي نجاهم منها، ويُري أهل النار مقاعدهم في الجنة التي حُرموا منها بسبب كفرهم، فيقول أهل الجنة:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}[الأعراف:٤٣] أي: لولا وجود رحمة الله لكنا من أهل النار، وأما أهل الضلالة فيقول كل منهم كما قال الله:{لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[الزمر:٥٧] فامتنعت عنهم الهداية، فامتنع أن يكونوا من أهل التقوى، وامتنعت رحمة الله عنهم فامتنع أن يكونوا من أهل الجنة في تلك المقاعد التي يرونها.
وإذا كان المؤمن موفقاً مسدداً فإنه يجعل هذه الأمور بين يديه يؤمل أن يصل إلى حياة أسعد، على أن خاتمة المطاف أن يقال: إنه لا يعمر القلب شيء أعظم من ذكر الله جل وعلا، قال الله جل وعلا:{أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:٢٨] ومن استأنس بالله استوحش من خلقه، واللبيب العاقل من يجعل له خلوات -إما سجدات في فلق الأسحار أو غيرها- يذكر ربه تبارك وتعالى فيها، سواء أكان في ملأ من الناس أم كان في خلوة لوحده؛ فإن ذكر الله حياة الضمائر وأنس السرائر وأقوى الذخائر، أمر الله به نبيه وحث الله جل وعلا عليه عباده، من وفق له وفق لخير عظيم.
هذا ما تيسر إيراده وأعان الله على قوله، سائلين الله جل وعلا أن يعفو عن الزلل، وأن يجبر الكسر والخلل، إن ربي لسميع الدعاء، وصلى الله على محمد، وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.