بقي أن نقول: إن هناك أقواماً ماتوا ثم استثناهم الله جل وعلا فأحياهم بعد موتهم، ومنهم من صرح الله به في صريح المحكم، قال الله جل جلاله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ}[البقرة:٢٤٣]، قال بعض أئمة التفسير: كانوا قرابة أربعة آلاف من بني إسرائيل، داهمهم الطاعون ففروا من القرية التي هم فيها، وهاموا على وجوههم في الصحراء حتى ملئوا شعباً من الأودية، ومكثوا فيه، وما ذاك إلا لأمر واحد، هو الفرار من الموت، فبعث الله إليهم ملكين: أحدهما في أول الوادي والآخر في آخر الوادي، فصاحا بهم صيحة واحدة فخروا ميتين، فلما ماتوا بقوا على ذلك دهراً من الزمن، فقيل: إن أحد الأنبياء من بني إسرائيل استشفع لهم عند ربهم، ودعا الله لهم أن يحييهم، فأحياهم ربهم جل وعلا، ونحن لا نشك في أنهم أحيوا؛ لأن الله صرح بذلك بما لا يقبل التأويل، فقال:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}[البقرة:٢٤٣]، وفي ذلك على قدرة الله جل وعلا على البعث والنشور.
وممن استثناه الله جل وعلا عزير ذلك العبد الصالح من بني إسرائيل، فقد أخبروا أنه خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعاهدها، فلما قفل راجعاً اشتد عليه حر الشمس، فآوى إلى قرية خربة على حمار له ومعه سلتان في إحداهما تين وفي الأخرى عنب، فمكث يأكل منهما حتى استلقى على قفاه، فرأى أسقف تلك القرية قد خربت، ورأى عظاماً حوله قد هرمت، فقال من باب التعجب لا من باب الإنكار:{أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}[البقرة:٢٥٩] فبعث الله إليه ملكاً فقبض روحه، فمكث مائة عام ميتاً، وكذلك حماره، ثم بعد مائة عام جاءه الملك فنفخ فيه الروح بأمر الله، فإذا به قائم، فسأله الملك: كم لبثت؟ قال: لبثت يوماً، فلما رأى الشمس لم تغب ظن بعث أنه في نفس اليوم الذي مات فيه، فقال: أو بعض يوم، فأراه الملك حماره وما صار إليه، ثم دعا ذلك الحمار عصباً وجلداً ولحماً ودماً حتى اجتمع ونفخت فيه الروح، قال الله جل وعلا يبين ذلك في صريح كتابه:{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:٢٥٩]، وكذلك قدرته جل وعلا، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
فهؤلاء ممن استثناهم الله جل وعلا فماتوا ثم أحيوا، ولكنهم مع ذلك يموتون كرة أخرى، ويؤبون إلى ربهم جل جلاله، فلا يستثنى من الموت والأجل المحتوم أحد.