مما يروى عن شريح أنه جاءه ابنه وقال: يا أبت، بيني وبين أحد الناس خصومة، وسأعرض لك القضية، فإن كان الحق لي فأخبرني حتى أقاضيهم بين يديك.
قال: قل يا بني.
فأخذ الابن يقص على أبيه ما بينه وبين الناس، فلما فرغ قال له: ائت بهم، فلما أتى بهم بين يديه حكم شريح للخصوم على ابنه، فلما خرجوا غضب الابن وقال: يا أبت، والله لو لم أخبرك من قبل لوجدت لك عذراً، لكنني أخبرتك قبل أن نحتكم إليك.
قال: يا بني، والله إنك في عيني أحب إلي منهم جميعاً، ولكن الله جل وعلا أعز علي منك.
فانظر إلى عظمة قضاة الإسلام في ذلك العصر.
ومما يروى عنه أنه كان يستظرف الشعر، فكان له ابن يرسله لمن يحفظونه القرآن، فخرج ذات يوم وقد رأى ابنه قد ترك الصلاة، وذهب إلى بعض الكلاب أجاركم الله يلعب بها، فلما كان اليوم الثاني أعطى الابن ورقة وقال: يا بني، اذهب بهذه إلى مؤدبك، فلما ذهب بها الابن إلى المؤدب وجد فيها أن شريحاً يقول: ترك الصلاة لأكلب يسعى لها يبغي اللهاة مع الغواة الرجس فليأتينك غدوة بصحيفة كتبت له كصحيفة المتلمس فإذا أتاك فداوه بملامة أو عظه موعظة الأديب الكيس وإذا هممت بضربه فبدرةٍ وإذا ضربت بها ثلاثاً فاحبسِ واعلم بأنك ما أتيت فنفسه مع ما تجرعني أعز الأنفس واستطرف أهل العلم أبياته الشعرية هذه، بأن فيها من نطق مخبره، وحسن معدنه.