والآيات في هذا الشأن كثيرة، ولكنها تدور على محور واحد، وهو أنه لا أحد غير الله يملك ضراً ولا نفعاً، وما دام أنه لا أحد غير الله يملك ضراً ولا نفعاً فلا يجوز للمؤمن أن ينقطع إلى غير الرب تبارك وتعالى، وهذا من الحقائق العظيمة التي أرادها الله جل وعلا أن تثبت في قلوب عباده المؤمنين.
ولذلك فالناس فريقان: فريق إذا ذكرت الله وحده عنده، وكان حديثك معه فيما يتعلق بقدرة الله وجلاله وفضله وكمال عزته كان فرحاً مسروراً مستبشراً.
وفريق آخر -عياذاً بالله، وأجارنا الله وإياكم من ذلك- يحب أن يذكر مع الله غيره، فلا يفرح إذا ذكرت لله وحده، وإنما يستأنس إذا ذكرت أن للأولياء والصالحين من الأنبياء أو من الملائكة أو من الأتقياء منزلة ومكانة، فينقل أقاصيص مكذوبة عنهم، فتستبشر نفسه، وتفرح إذا ذكر مع الله جل وعلا أحد غيره، قال الله جل وعلا:{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[الزمر:٤٥].
قال السيد الألوسي رحمه الله -وهو أحد علماء السنة في العراق-: وقد وجدنا هذا في بعض أهل زماننا، إذا تكلمنا عن الله وكمال قدرته جل وعلا وحده ضاقوا بنا ذرعاً، وإذا ذكرنا ما للموتى من الصالحين في قبورهم من قدرات وما أعطاهم الله جل وعلا من عطايا يحسبونها موجودة وهي ليس فيها إلا الوهم ظنوا بنا الظنون، وأنكروا علينا الأمر، وهذا كله - والعياذ بالله - من عدم كمال الانقطاع إلى الله جل وعلا، ومن انقطع قلبه إلى الله جل وعلا وحده علم أن أي أحد من الخلق لا يمكن أن يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً فضلاً عن ملكه لغيره.
ويروى عن الإمام الشافعي -رحمه الله- أنه أهمه أمر ذات يوم، فرأى في منامه من يقول له يا أبا عبد الله! قل في دعائك: اللهم أني لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعا ولا موتاً ولا حياةً ولا نشورا، ولن أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني، ولن أتقي إلا ما وقيتني، فوفقني لما تحب وترضى من القول والعمل في عافية.
ففرج الله عن هذا العبد الصالح همه بعد أن ذكر هذا الدعاء.
وموطن الشاهد منه أنه لا يملك الضر والنفع إلا الله، فما دام أن الأمر إلى الله فإن أعظم مقامات التوحيد أن يفر المؤمن إلى الله جل وعلا وينقطع إليه وحده دون سواه كما قال العبد الصالح:{وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[غافر:٤٤].