على العبد أن يعلم أن الله تبارك وتعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، فإن العطايا والمنن -إذا كانت عطايا دينية- إنما تكون على قدر ما للرب جل وعلا من تعظيم وإجلال في قلب ذلك العبد، والأنبياء والمرسلون يدركون مقامهم عند الله؛ لأنهم يعلمون مقام الله في قلوبهم، فهذا أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام مرت عليه أيام لم يكن أحد على الأرض يعبد الله غيره، فكان يعرف ما له عند الله جل وعلا من رفيع المقام، فلما ابتلي بأبيه قال لأبيه:{سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي}[مريم:٤٧]، ثم قال يبين مقامه عند الله:{إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا}[مريم:٤٧] أي: إنني أعلم من ربي أنه يحتفي بي ولي عنده مقام عظيم؛ لأن إبراهيم يعلم ما في قلبه من تعظيم وإجلال ومحبة وخوف من الله جل وعلا.
والله تعالى يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن يحب، فمن أراد أن يكون له عند الله جل وعلا المقام الرفيع، فلتكن لله جل وعلا العظمة في قلبه، والمحبة، والإجلال، والخوف، والعبادة، والتقوى، وكل ما أمر الله تبارك وتعالى به، وهذا من أعظم ما تستدر به نعم الله وتستدفع به النقم، أعطانا الله ووهبنا وإياكم من نعمه، ودفع الله عنا وإياكم من النقم أكثر مما نخاف ونحذر.