للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الله تعالى يكره أذية الناس وظلمهم]

في التعامل مع الرب تبارك وتعالى ينبغي أن يعلم أن الله جل وعلا حرم أذية الناس، وقال جل وعلا كما سمعنا في الحديث القدسي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً).

الظلم للناس إما أن يكون بسفك الدماء، وإما أن يكون بانتهاك الأعراض، وإما أن يكون بأكل الأموال، وكله حرمه النبي عليه الصلاة والسلام قائلاً: (إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا).

ومن أشد الظلم أن يأخذ الإنسان أموال الناس بالقوة إن كان ذا سلطان، أو ذا إمرة، أو ذا منصب، أو يقع في وظيفة تسمح له وظيفته أن يأخذ ما عند الناس من أموال فيقول: لا أفعل حتى تدفعوا، لا أمنع حتى تدفعوا، لا أصنع حتى تعطوني مالاً وما أشبه ذلك مما هو قريب من المكس، وصاحب المكس -والعياذ بالله- من أعظم من يكونون بعيدين عن الرب تبارك وتعالى.

نبيكم صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة غامدية زنت بعد أن زنا ماعز فردها صلى الله عليه وسلم، فلما ردها جاءته في اليوم التالي قائلة: (يا نبي الله! إنك لتردني كما رددت ماعزاً بالأمس؟ إني لحبلى من الزنا.

فقال صلى الله عليه وسلم: اذهبي حتى تضعي، فعادت بعد أن وضعت ومعها غلامها في خرقة فقالت: يا رسول الله! ها قد وضعت.

فقال صلى الله عليه وسلم: اذهبي حتى تفطميه، فذهبت وعادت بعد أن أتمت رضاعته وقد فطمته وفي يده كسرة خبز حتى تبرهن أنه يأكل فقالت: يا رسول الله! ها هو ذا قد فطمته، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم -أي الغلام- لرجل من الصحابة وأمر برجمها، فلما رجمت كان ممن شهد الرجم خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، فلما أصابها حجر نزح الدم من رأسها فأصاب ثياب خالد فسبها غضباً، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تسبها يا خالد! فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، ثم أمر بالصلاة عليها ودفنها).

موضع الشاهد كما قال النووي في شرح صحيح مسلم: أن الله قبل توبتها، ولو أن هذه التوبة تابها صاحب مكس لغفر له، وصاحب المكس هو الذي يأخذ أموال الناس بالقوة، وقريب منه من يأخذها بالخداع ويأخذها بالتحايل، أو يأخذها ديناً فلا يردها ولا يعبأ بأصحابها.

فالله جل وعلا حرم أذية الناس، ولا يجتمع صلاح مع عدم احترام للعباد، وعدم العناية بهم كما سيأتي في الأمر السادس، فأذية المرء لغيره من المؤمنين تتنافى مع صلاحه، إن تكلم في أعراضهم أو أخذ من أموالهم أو وصل إلى مرحلة أكبر فسفك دماءهم فهذه أشد وأشد.

والمقصود: أن الله جل وعلا حرم أذية الناس، قال الله جل وعلا: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:٨٣]، وقال الله على لسان شعيب: {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الشعراء:١٨٣].