ومما يروى في هذا الباب: أن الشعبي رحمة الله تعالى عليه وكان أحد أعلام المسلمين، وقضاتهم المشهورين، وهذا قد تكون من الحكمة ألا يعلن على ملأ، وإنما يقال من باب الظرافة: فإن الشعبي رحمة الله تعالى عليه احتكم إليه رجل وامرأة متزوجان، وكانت المرأة جميلة، فحكم للمرأة ولم يحكم للرجل، وقد سمع منها ولم ير شيئاً، فلما انصرف وطلق الرجل امرأته غضب على الشعبي أنه حكم للمرأة، ولم يحكم له، فنشر بين الناس.
وهذا يستفاد منه أنه أحياناً تسمع ما لم يكن حقاً، تسمع في أعلام الناس ما ليس بحق، فنشر ذلك الرجل أبياتاً شعرية في حق الشعبي لا تليق برجل من علماء الأمة كـ الشعبي فقال فيما قال: فتن الشعبي لما رفع الطرف إليها سحرته ببنان وخضاب في يديها كيف لو أبصر منها نحرها أو ساعديها الجثا حتى تراه ساجداً بين يديها فكان الشعبي كلما مر على ملأ من الناس يجدهم ينشدون هذه الآبيات، وهو يقول: والله! ما رأيت، ولا نظرت، ولا حكمت إلا على حق، لكن حسبنا الله والله المستعان! وهذا يستفاد منه: أنه قد يقذف الرجل بما ليس فيه، فليس كل ما يزعم في الأعلام حق، فالإنسان لا يأخذ الحق إلا من مصدره.
هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.