وقد كان النبي عليه السلام يحب الصحابة كلهم لكن بعضهم ألقى الله عليه محبة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويؤثره على غيره، ويأتي في مقدمة هؤلاء أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه، غلام أسود أفطس خفيف البدن، وذكر الذهبي في الأعلام خبراً عن عائشة أن مخاطه رضي الله عنه وأرضاه نزل فبادر النبي صلى الله عليه وسلم ليمسحه فقالت عائشة:(يا نبي الله! أنا أمسحه عنك، فقال: يا عائشة إني أحبه فأحبيه).
ولما جاء دفنه قال ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه: عجلوا بدفن حب نبي الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تغرب الشمس.
في حجة الوداع كان حول النبي صلى الله عليه وسلم بعض أبناء عمومته ممن يشبهون خلقه وخلقه يضيئون كالبدر مثل الحسن، والحسين، وجعفر، وأبناء العباس كـ القاسم والفضل وخيار الصحابة، والنبي صلى الله عليه وسلم يتمهل قبل أن يركب القصواء، فيأتي حدثاء العهد بالإيمان يظنون أمراً عظيماً على سننهم في الجاهلية وأن النبي صلى الله عليه وسلم أبطأ لأمر عظيم.
فيجيء يجري رضي الله عنه وأرضاه أسود أفطس خفيف البدن فيركب القصواء ويحضن نبي الأمة صلى الله عليه وسلم، فعندها يتحرك تتحرك ناقته ويمضي في سيره صلوات الله وسلامه عليه، يضعه صلى الله عليه وسلم على فخذه الأيسر، والحسن على فخذه الأيمن ويقول:(اللهم إني أحبهما فأحبهما) يجزل له عمر بن الخطاب العطاء فيأته ابنه عبد الله فيعاتبه فيقول له: يا بني! والله لقد كان أحب إلى رسول الله منك؛ رضي الله عنه وأرضاه.
هذا من أعظم الدلائل على أن هذه أشياء يجعلها الله جل وعلا لمن يشاء، وقد كان صلى الله عليه وسلم لا يحب أن يسمع من الناس التشكيك في نسب أسامة؛ لأنه كان أسود وأبوه زيد بن حارثة شديد البياض كالقطن، فناما ذات يوم في لحاف واحد وقد غطيت رءوسهما وظهرت أقدامهما، فجاء رجل من بني مدلج أهل القيافة فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فدخل صلى الله عليه وسلم تبرق أسارير وجهه على عائشة قال:(يا عائشة! أما علمت أن مجززاً المدلجي نظر إلى قدمي أسامة وأبيه فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض) يفرح صلى الله عليه وسلم وكأنما بشر بشيء من السماء؛ لأن رجلاً شهد أن أسامة هو ابن لـ زيد.
هذا كله من أعظم الدلائل على أن هناك فضلاً محضاً يضعه الله جل وعلا لمن يشاء.
ونحن نحب أسامة لأن نبينا صلى الله عليه وسلم يحبه، ومن محبة الله ورسوله أن تحب ما أحبه الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه.