[تحقيق الوجل من الله باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم]
فإذا عرف العبد هذا فإنه ينبغي عليه أن يعلم أن الله جل وعلا تعبده باتباع محمد صلوات الله وسلامه عليه آخر الأنبياء عصراً وأرفعهم وأجلهم يوم القيامة شأناً وذكراً، ختم الله به النبوات وأتم به الرسالات، فحبه دين وملة وقربة، واتباع شرعه واقتفاء هديه ولزوم سنته هي الدين كله.
هو دين رب العالمين وشرعه وهو القديم وسيد الأديانِ هو دين آدم والملائك قبله هو دين نوح صاحب الطوفانِ هو دين إبراهيم وابنيه معاً وبه نجا من لفحة النيرانِ وبه فدى الله الذبيح من البلى لما فداه بأعظم القربانِ وكمال دين الله شرع محمد صلى عليه منزل القرآن وهذا النبي الأمي كان في هيئته الخلقية ربعة من القوم لا بالطويل ولا بالقصير، سبط الشعر، بمعنى أنه لم يكن شعره مسترسلاً ولا جعداً، في جبهته عرق يجره الغضب، فإذا غضب صلى الله عليه وسلم في ذات الله امتلأ عرقه دماً، أزج الحواجب في غير قرن، طويل أشفار العينين، أشم الأنف كبير الفم، كث اللحية، الشيب فيه ندرة، بمعنى أنه قليل متفرق في صدغيه الأيمن والأيسر، وأكثر شيبه في عنفقته أسفل شفته السفلى صلوات الله وسلامه عليه، بعيد مابين المنكبين، سواء البطن والصدر، ضخم الكراديس، أي: عظام المفاصل، إذا أشار أشار بيده كلها، وإذا تعجب من شيء قلب كفيه وقال:(سبحان الله)، وعند البخاري في الأدب المفرد أنه كان إذا تعجب من شيء عض على شفته السفلى صلوات الله وسلامه عليه، إذا مشى مشى يتكفأ تكفؤاً كما ينحدر من مكان عال، قال جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه كما عند مسلم في الصحيح:(صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاته الأولى -أي: صلاة الظهر- فجعل غلمان أهل لمدينة يتبعونه، فسلمت عليه فسلم عليَّ فوجدت لكفه برداً أو ريحاً كأنما أخرجها من جؤنة عطار) وقال محمد بن عمار للربيع بنت معوذ رضي الله عنها: يا أماه! صفي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يا بني! لو رأيته لرأيت الشمس طالعة.
بعثه ربه بعد أن أتم له أربعين عاماً في غار حراء، وجاءه الملك وكان يتحنث الليالي ذوات العدد حتى يقترب حساً ليقترب بعد ذلك معنى، فكأن الله جل وعلا -لحكمته- أراد أن يتحنث نبيه فوق الجبل كأنه ينظر من علو إلى حقارة الدنيا وعلى اختصام أهلها.
وإن تجتنبها تجتنبها بعزة وإن تجتذبها نازعتك كلابها فهو صلى الله عليه وسلم في مكان عال كأنما يرقب الدنيا تهيئة من غير أن يدري بما يعده الله جل وعلا له من كريم الرسالة وعظيم النبوة، ثم جاءه الملك فخرج فزعاً في أول الأمر يقول:(دثروني دثروني)، والدثار: الثوب الذي فوق الثوب الداخلي، والشعار ما لاصق الجسد، وقد كان عليه الصلاة والسلام علية ثياب، ولكنه يقول:(دثروني دثروني) فدثرته خديجة فأرسله الله بالمدثر قائلاً: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ}[المدثر:١ - ٢] ثم بيَّن له طريق الدعوة {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}[المدثر:٣ - ٧]، فأعطاه هذه الوصايا حتى يسير على دعوة الله، فبلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته حتى أتم الله له من العمر ثلاثة وستين عاماً قضاها صلى الله عليه وسلم داعياً إلى الله بسنانه ولسانه، مجاهداً في سبيل الله، قائماً في فلق الأسحار، صائماً في أكثر أيام النهار، مقيماً للفرائض والنوافل على الوجه الأتم والنحو الأكمل، وما عبد الله أحد أكمل من عبادته صلوات الله وسلامه عليه.
فمعرفة هديه يعين على لزوم سنته، ولزوم سنته من أعظم الدلائل على الوجل من رب العالمين تبارك وتعالى، ومن تأمل سيرته العطرة وأيامه النضرة عليه الصلاة والسلام خرج بعلم نافع وطريق قوي ومنهج مستقيم.
وكلهم من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم