بعد ذلك أيها المؤمنون يأتي بيت القصيد من المحاضرة: يأتي المؤمنون الأتقياء الذين جاوزوا جسر جهنم، كما قيل للإمام أحمد: متى يستريح المؤمن؟ قال: إذا خلف جسر جهنم وراء ظهره.
فتقرب إليهم الجنة، فإذا رأوها ذهبوا إلى أبيهم آدم فقالوا: يا أبانا استفتح لنا الجنة؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم، فيدفعها عن نفسه، فيأتي نبينا صلى الله عليه وسلم فيطرق باب الجنة، فيقول له الخازن: من أنت؟ فيقول: أنا محمد، فيقول الخازن: أمرت ألا أفتح لأحد قبلك، فيكون صلى الله عليه وسلم أول من يدخلها من سائر الناس، وأول من يدخلها من هذه الأمة أبو بكر رضي الله تعالى عنه.
والجنة أيها المؤمنون نور يتلألأ، ونهر مضطرد، ونعيم لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وقد كان عباد الله الصالحين في الدنيا يسألونها الله ليلاً ونهاراً، قال الله عز وجل:{لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا}[الفرقان:١٦]، وذكر الله خليله وصفيه وحبيبه إبراهيم بقوله:{وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ}[الشعراء:٨٥]، ووقف أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو هو ومعاذ رضي الله تعالى عنه، فقال الأعرابي:(أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ ولكني أسأل الله الجنة، وأستجير به من النار، فقال صلى الله عليه وسلم: حولها ندندن) أي: حتى نحن نسأل الله الجنة ونستجير به النار.
فإذا دنت الجنة منهم فتحت أبوابها، وأبواب الجنة ثمانية، وما بين مصراعي كل باب مسيرة خمسمائة عام، وليأتين عليها يوم -مع اتساعها هذا- وهي كضيضة من الزحام، جعلنا الله وإياكم ممن يدخلها آمناً.