[مصير أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم]
السؤال
لقد سمعت أنكم رجحتم أن أبوي الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الفترة، فأرجو من فضيلتكم بيان ذلك؟
الجواب
هذه مسألة خلافية مشهورة جداً، ونحن إلى الآن نقول: إن الأقرب أن أبوي الرسول صلى الله عليه وسلم - والعلم عند الله - من أهل الفترة، وبيان ذلك علمياً من وجوه: أولها: أن الله جل وعلا قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:١٥].
وقال جل وعلا عن أهل النار: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ} [الملك:٨ - ٩].
ومن قواعد العلم أن نصوص القرآن حاكمة وتفهم عن طريق السنة، فهنا إخبار من العلي الكبير أن أهل النار يلقون فيها فوجاً فوجاً، وأنهم يقررون عند إلقائهم فيها ويقال لهم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك:٨] فيقرون ويقولون: {بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ} [الملك:٩] يقول الله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:١٥].
ويبقى السؤال هنا: هل والد الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه نبي أم لا؟ فإن قلنا: جاءه نبي فلا حجة له، وإن قلنا: لم يأته نبي فلا يدخل في أهل النار بحسب الآية؛ لأن الله قال عن أهل النار وهم يقرون: {بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ} [الملك:٩]، ولا ريب في أن والد النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه آنذاك من قبل البعثة لم يأتهم نذير بنص القرآن، حيث قال الله جل وعلا: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} [القصص:٤٦]، وقال جل وعلا: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} [سبأ:٤٤]، فالله جل وعلا في آية محكمة يقول: إنه لم يأتهم نذير.
وأما الحديث الذي في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: (إن أبي وأباك في النار) فإنه من حيث القاعدة العلمية يقول فيه بعض العلماء: إنه مخصص لعموم ما قاله الله جل وعلا في كتابه.
ولكن يبعد أن يخبر الله جل وعلا نبيه بأن أهل الفترة كلهم تحت المشيئة، ويكون أبوه وحده في النار.
وقد جاء في صحيح مسلم أن الله جل وعلا خلق السماوات والأرض في سبعة أيام، والعلماء لم يقبلوا هذا الحديث؛ لأنه معلوم قطعاً بنص القرآن أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام.
والمقصود أن هذه مسألة لا يحسن نشرها بين الناس بكثرة، حتى الذين يقولون: إن والد الرسول في النار بناءً على حديث مسلم يقولون: لا يحسن نشر ذلك بين الناس.
وأنا أقول -والعلم عند الله-: إن التوقف أفضل من القطع بأن والد الرسول صلى الله عليه وسلم في النار؛ لأن نصوص القرآن لا توحي بهذا.