الحمد لله الذي قصم بالموت رقاب الجبابرة، وكسر به ظهور الأكاسرة، وقصر به آمال القياصرة، فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ما أصاب الناس من مصيبة أعظم من فقده، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة حتى تركها على المحجة البيضاء والطريق الواضحة الغراء، فصلى الله وملائكته والصالحون من خلقه عليه، وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، وعلى من اقتفى آثارهم واتبع نهجهم وسلك مسلكهم إلى يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار.
أما بعد: فهذا درس نذكر فيه بعض آيات كتاب ربنا جل جلاله، والحديث سيكون عن قول ربنا وخالقنا جل وعلا:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران:١٨٥]، وسنتكلم عن هذه الآية كلاماً مجملاً، سواء من الناحية العلمية، أو من الناحية الأدبية، أو من الناحية التربوية ودلالة الآيات وزيادة المعارف حول حقيقة الموت، مع التعريج على الجانب الوعظي.
وقبل الحديث المفصل يحسن أن نقول: إن كثيراً من الأئمة الأخيار والعلماء الأبرار، والدعاة المجتهدين على مر العصور وكر الدهور منذ أن حملوا راية الدعوة والبلاغ عن نبينا صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يذكرون الناس بالموت وما بعده، ولا ريب في أنهم قد أصابوا فيما قالوه؛ لأن ذلك منطوق ومفهوم كتاب ربنا جل جلاله، ومنطوق ومفهوم سنة نبينا صلوات الله وسلامه عليه، إلا أننا قد لا نعرج على الوعظ المحض، وربما عرجنا على مسائل علمية، ودقائق فقهية، وأمور تربوية، وغير ذلك مما نسأل الله جل وعلا أن ينفعنا به أولاً وأخيراً، وأن يجعله تبارك وتعالى عملاً تبيض به الصحائف يوم نلقاه في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وسيكون الحديث حديثاً مجملاً متشعباً ذا شجون، وقد لا نلتزم فيه بالترتيب، ولا نلتزم فيه بتتابع الأفكار؛ لأن المقصود الإثراء العلمي في المقام الأول.