قفل صلى الله عليه وسلم عائداً إلى المدينة وفي ذلك العام كان عام الوفود فبدأت وفود العرب تقدم إليه صلوات الله وسلامه عليه، وكان من الوفود التي قدمت وفد نجران، وكان وفد نجران يعبدون المسيح عيسى بن مريم، فلما قدموا عليه صلوات الله وسلامه أخذوا يجادلونه ويقولون له: كيف نتبعك وأنت تنتقد صاحبنا وتقول: إنه عبد الله ورسوله، قال: نعم، عيسى بن مريم عبد الله ورسوله فقالوا: كيف يكون عبداً لله ورسوله، أرأيت ولداً ولد من غير أب، فأنزل الله جل وعلا قوله:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}[آل عمران:٥٩ - ٦٠]، فلئن كان عيسى ولد من غير أب فإن آدم خلق من غير أم ولا أب، فجاءوا بالغريب فجاءهم الله بما هو أغرب رداً على حجتهم فلما قال لهم صلى الله عليه وسلم ذلك أبوا أن يسلموا له، فدعاهم إلى المباهلة ودعا علياً والحسن والحسين وفاطمة وقال: إن أنا دعوت فأمنوا وأنزل الله جل وعلا: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران:٦١] فعرفوا أنه نبي الله حقاً لكنهم لم يؤمنوا وخشوا من مباهلته، ثم إنهم صالحوه على ألفي حلة تؤدى له صلى الله عليه وسلم مرتين في العام وأشياء أخر.
وفي عصرنا هذا: نشأ ما يسمى: بتقارب الأديان، وبحوار الأديان، فأما حوار الأديان فلا حرج فيه شرعاً إذا أراد المحاور المسلم أن يثبت صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الله جل وعلا لا رب غيره، ولا شريك معه، أما تقارب الأديان فأمر مرفوض؛ لأنه لا يمكن أن تلتقي الأديان في شيء واحد فإن ذلك يعني: تنازلاً عقدياً والمسلمون أمرهم الله أن يقولوا: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون:١ - ٣].
فالمسلم على ملة حنيفية بيضاء، لا ينبغي له أن يحيد عنها مثقال ذرة، وليس هناك مصلحة ترقى على مصلحة التوحيد، ولا مفسدة أعظم من مفسدة الشرك، وما يسمى: بتقارب الأديان يفضي إلى ترك التوحيد وإلى القرب من الشرك، وقد قال الله جل وعلا:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران:٨٥].