والتبتل والانقطاع إلى الله جل ذكره من أعظم أسباب التوفيق، بل إنه من أجل مقامات الصديقين وأعظم منازل السائرين في دروب (إياك نعبد وإياك نستعين)، فإن الله تبارك وتعالى جعل من الانقطاع إليه سنة ماضية في الأخيار من خلقه، والأفذاذ من عباده، والأتقياء من الصالحين، قال الله لخير الخلق:{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا}[المزمل:٨ - ٩].
وهذا الانقطاع إلى الله جل وعلا -كما بينا- منزلة عظيمة ذكرها الله جل وعلا في سورة الزمر في مواطن متفرقة، فذكرها تارة بالتصريح، وذكرها تارة بالتضمين، فقال جل وعلا بالتصريح:{أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}[الزمر:٣]، وقال:{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[الزمر:١١]، وقال جل ذكره:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}[الزمر:٣٨]، فهذه الآيات وما أشبهها ومثيلاتها في هذه الصورة دعوة للمؤمن إلى أن ينقطع إلى ربه، والانقطاع إلى الله معناه: أن الإنسان لا تقر عينه بشيء أعظم مما تقر عينه بالله، وما يكون مقرباً من الله من شيء تكون قرة عينه به، فهذه إحدى معاني الانقطاع إلى الرب جل وعلا، وهذا ينجم عنه صدق التوكل على الله جل وعلا، وسيأتي بيانه تفصيلاً في قوله جل وعلا:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}[الزمر:٣٣].