للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استشعاره وفرحه بحديث مثل الحديث عن الله تعالى]

أولها: ألا يستبشر ولا يفرح بالحديث عن أحد كفرحه واستبشاره وانشراح صدره للحديث عن رب العالمين جل جلاله؛ لأن ذلك المؤمن ليس في قلبه أحد أعظم من الله، فلا يمكن أن يطمئن قلبه، ويشرح صدره، وتفرح ذاته إلا إذا كان يتحدث عن الله.

وعلى النقيض من ذلك أهل الفجور والكفر والفسوق عياذاً بالله، فإنهم لا يجدون فرحاً ولا استبشاراً إذا حدثوا عن الله، قال الله جل وعلا عنهم: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:٤٥]، وقال جل وعلا في سورة أخرى وهي الإسراء: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء:٤٦]، فما الذي ينبغي أن تسمعه أيها المبارك؟! أن تحاول قدر الإمكان أن تجد في نفسك طمأنينة وسكينة، وأنت تتكلم عن الله أو تتلو كلام الله، أو تسمع شيئاً عن الله، أو تصنع صنيعاً من أجل الله، أو تترك شيئاً من أجل الله، فهذا من أعظم العلامات على أن العبد يعظم ربه التعظيم اللائق به.

ووالله كل نعيم وعده الله جل وعلا عباده إنما هو مرهون بقدر تعظيمهم لله تبارك وتعالى، ومن احتفى الله به في الملأ الأعلى إنما احتفى الله به لما في تعظيمه لله تبارك وتعالى وهو على الأرض، قال الخليل إبراهيم عليه السلام -وكان أعظم العباد تعظيماً لله بعد رسولنا صلى الله عليه وسلم- قال يخاطب أباه: {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم:٤٧]، فاحتفى الله جل وعلا بهذا النبي الكريم أبي الأنبياء لما كان في قلب إبراهيم من تعظيم الرب تبارك وتعالى.

ومن قرائن هذا التعظيم أن الإنسان يؤمر بالنهي عن شيء، فيطلب منه الشيء من أجل أبيه وأمه وجيرانه وعلاقاته فيأبى، فإذا طلب منه شيء من أجل الله تركه تعظيماً لربه تبارك وتعالى، وهذه تربية يصنعها الإنسان لنفسه مع مر الأيام وتوالي الأعوام، فيجدّ الإنسان إذا كان لديه رغبة كيف يربي نفسه على أنه يعظم ربه جل وعلا التعظيم اللائق به، فلا يخوف ولا يذكر بأحد بعد الله.

هذا أمر.

الأمر الثاني: السعي إلى الطاعات، فالذين يعظمون الله لا تكاد تجف بشرتهم من الوضوء؛ يريدون ما عند الله تكفيراً للذنوب، وطلباً لرحمة علام الغيوب، وتتسابق خطواتهم إلى بيوته جل وعلا، يرجون ما عند الله جل وعلا من المغفرة، يجدون راحة قلب وانشراح صدر وجباههم على الأرض؛ رغبة فيما عند الله جل وعلا من النعيم.

ومن قرائن هذا أنهم يفرون عن المعاصي، {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف:٣٣]، {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء:١٠]، {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران:١٣٠] إلى غير ذلك مما نهى الله عنه، فكلما زين له باب معصية تذكر عظمة الله جل جلاله فتركها وبعد عنها؛ خوفا ًوفرقاً من أن يلقى الله جل وعلا وقد عصاه.