للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصية الرسل لمن بعدهم بالفرار من الشرك]

ولهذا كانت عناية الرسل والأنبياء والصالحين من بعدهم عند الموت أنهم يوصون من بعدهم بأن يفروا من الشرك، وأن يلتزموا توحيد الله بالعبادة، وإفراده جل وعلا بالعبادة دون سواه؛ لعلم أولئك الأخيار والمتقون الأبرار أنه لا ينفع عند الله جل وعلا عمل ما لم يقيم العبد قولاً ومعنى ولفظاً وعقيدة توحيد الرب تبارك وتعالى، قال سبحانه: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:١٣٣]، اللهم آمنا بمثل ما آمنوا به.

وما أكد أولئك الأبرار والمتقون الأخيار على هذا الأمر إلا لعلمهم ويقينهم أن أعظم الأمر وأجل السيئات وأكبرها الذي لا يغفره الله جل وعلا أن يجعل أحد من المخلوقين مخلوقاً غيره لله تبارك وتعالى نداً.

ولهذا أثنى الله جل وعلى على ذاته العلية في كتابه، وعرف خلقه تبارك وتعالى بأسمائه وصفاته حتى يعبدوه على بينة من الأمر، وأخبرهم جل وعلا بكمال قدرته وعظيم صنعته وجلال مشيئته وبلغة حكمته؛ حتى لا يبقى عذر لمعتذر، ولا حجة لمحتج في أن الله جل وعلا لم يبين لهم كثيراً من أسماءه وصفاته، وإنما بينها الله حتى تقوم الحجة على العباد، وينقطع عذر أهل الأعذار، ويعلم كل أحد أن الله جل وعلا لا رب غيره ولا إله سواه، يقول سبحانه ناعياً على من اتخذ مع الله جل وعلا نداً: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت:١٠ - ١٢].

ولا يقدر على هذا إلا الله، وهذا من أعظم الأدلة والبراهين على كمال صنعته، وعظيم وحدانيته، وجلال ألوهيته، فلا رب غيره ولا إله سواه، ولذلك كان التوحيد نور يقذفه الله جل وعلا ويلقيه في قلب من يشاء، يقول الله جل وعلا: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:٣٥].

نسأل الله جل وعلا أن يهدينا وإياكم لنوره.

أيها المؤمنون! هذا هو التوحيد على وجه الإجمال: إفراد الله تبارك وتعالى بالعبادة وحده دون سواه، وقد بينا أنه أول ما طالبت به الرسل أممهم، وأعظم ما ختم به المتقون وصاياهم، وأن: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) وبه يدخل المرء إلى دين الرب تبارك وتعالى، وهو الخصومة التي قامت بين الرسل وأممهم على رسل الله أفضل الصلاة والسلام.