فمن صفات جماله جل جلاله: أنه أرحم من سئل، وأكرم من أعطى، قال صلى الله عليه وسلم:(إن الله كتب كتاباً فهو عنده تحت العرش: أن رحمتي غلبت غضبي، أو أن رحمتي تسبق غضبي).
والمؤمن إذا علم أن الله جل وعلا أرحم الراحمين علم بداهة أنه لا يهلك على الله إلا هالك، فلا يستقر عياذاً بالله في النار إلا من شقيت طينته، وساءت سريرته، وخبث معدنه، ولم يرد ما عند الله جل وعلا من الفضل، وإن كان قد أظهره للناس عياذاً بالله، على أن العاقل المؤمن الذي يرجو رحمة الله، يتخذ الأسباب التي تجعله قريب من رحمة الله يقول سبحانه:{إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف:٥٦].
فتوحيد الله هو ذروة الإحسان، وهو أعظم أسباب نزول الرحمة على العبد، ثم رحمة من حولنا من الناس: رحمتك لزوجتك، رحمتك لأولادك، رحمتك لجيرانك، رحمتك لمن تحت يديك في العمل في منزلك، أو من تحت يديك من موظفيك وأجرائك وعمالك ومن جعلهم الله جل وعلا تحت يديك, رحمتك لصغير عندما يسألك، وللجار عندما يطلبك، ولعامة المؤمنين عندما تكون لهم حوائج عندك، تصنعها وأنت تحتسب هذا الصنيع عند أرحم الراحمين جل جلالة، هذا من أعظم الدلائل على أن التوحيد مستقر في قلبك؛ لأنك إذا وحدت الله علمت له نعوت الجمال، وإذا علمت أن لله نعوت الجمال علمت أن من أعظم نعوت جماله جل وعلا صفة الرحمة، فإذا علمت أن من نعوت جماله صفة الرحمة سعيت إلى أن يرحمك الله جل وعلا وعلى أن يغيثك، يقول صلى الله عليه وسلم:(ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
وقال صلوات لله وسلامه عليه:(الراحمون يرحمهم الله)، ويقول عليه الصلاة السلام:(ألا أخبركم وأنبائكم بأهل النار؟ كل جعضري جواض مستكبر)؛ لأنه لا توحيد كامل في قلبه، فيعنف هذا ويقسو على هذا، ويرد زوجته ولا يبيت إلا وقد أغضب أهله وأغضب أبنائه، وعق أمة أو عق أباه، أو صنع ما صنع بممن حوله، ثم يسأل لله جل وعلا الرحمة! والله جل وعلا ابتلاه واختبره بما علمه إياه، فلم ينجح في الابتلاء.
وأعظم ما يقربك إلى الله في صفة الرحمة رحمتك بوالديك؛ لأن الله جل وعلا لم يجعل لأحد من الخلق كلهم حق عليك أعظم من حق والديك، فحقهما عظيم مسطور في الكتاب ومسطور في السنة، وهما سبيلان عظيمان بأن تنزل عليك رحمة الرب تبارك وتعالى.