للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخاطرة الرابعة حين تطغى الشهوات]

الخاطرة الرابعة -أيها المؤمنون- حين تطغى الشهوات: الله تبارك وتعالى معشر الأحبة! ذكر طائفة من الناس في كتابه بعث إليهم نبياً من الأنبياء هو لوط عليه الصلاة والسلام، وأخبر الله تبارك وتعالى عن تلك الفئة وأولئك الملأ: أن سكرتهم غلبت عليهم فأعمت بصائرهم وبصيرتهم، ورانت على قلوبهم فكانوا يأتون في ناديهم المنكر ولا يتورعون من أي عمل يفعلونه، وكان مصابهم الأعظم بعد إشراكهم بالله جل وعلا: أنهم كانوا يأتون الذكران من العالمين.

وخاطرتنا حين تطغى الشهوات تتحدث عن أولئك الملأ كيف أن الله جل وعلا انتقم منهم أعظم انتقام وأرسل عليهم: {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} [هود:٨٢]، الشهوة يا أخي! إذا طغت على صاحبها أعمته والعياذ بالله عن طريق الله جل وعلا، فأصبح كالبهائم لا يعترف بالعبادات ولا ينظر إلى التقاليد والعادات، البهائم عافانا الله وإياكم لها شهوتي البطن والفرج فإذا أرادت أن تأكل أو أرادت أن تتناكح لا تعرف أن تتوارى ولا أن تتزاوغ، والإنسان والعياذ بالله إذا غلبت عليه شهوته وطغت عليه شقوته أصبح كالبهائم.

ولذلك أخبر صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة: أن الناس في آخر الزمان يتسافدون كتسافد الحمر، حتى إن الرجل -والعياذ بالله- ليفترش المرأة في الشارع، قال صلى الله عليه وسلم: (وإن أعظمهم أمانة يومئذ من يقول له: هلا واريتها خلف الحائط)، والمقصود: أن الشهوات إذا طغت على بني آدم أغوتهم أيما إغواء، وصرفتهم عن طريق الحق، وأبعدتهم عن معالم الهدى.

والإنسان ينبغي عليه أن يكون في حرز مكين من أن تطغى عليه الشهوة.

نقول لكل من ابتلي بغلبة الشهوة: عليه أن يعلم ثلاثة أمور: الأولى منها: ألا يسمح لنفسه ولا لبصره أن يستمر في النظر إلى الشهوات فتلك الأفلام الخليعة وتلك الأغاني الماجنة وما يعرض على الشاشات من دواعي الفسق والمجون والزنا والفجور لا ينبغي للمؤمن أن يستسلم لها وأن يخلد بصره إليها؛ لأنه قطعاً بلا ريب ولا شك لن يأمن الفتنة على نفسه.

العاقل الحصيف لا يسلم نفسه إلى الشهوات ثم يسأل الله تبارك وتعالى بعد ذلك العصمة.

إن السلامة من سلمى وجارتها ألا تمر على سلمى وواديها الأمر الثاني: أن نعلم أن في طرائق الحق وما منحه الله تبارك وتعالى لعباده وما في هذا الدين من يسر وحنفية سمحة ما يشغلنا عن تلك الشهوات ويجعلنا في منئاً عنها، بعض الشباب يقول: إن لم أنظر إلى تلك القنوات وإن لم أتابع تلك الفضائيات وما يعرض فيها ماذا أصنع؟ نقول له بكل هدوء: ماذا كنت تصنع قبل أن تعرف تلك القنوات وتلك الفضائيات؟ ألم تكن بشراً يمشي على قدميه؟ ألم تكن رجلاً تسعى على بينة وهدى وبصيرة؟ ما الذي غيرك؟ غيرك أنك أسلمت نفسك إلى تلك المحارم غيرك أنك أسلمت لبصرك ولعينك الخلود إلى تلك الشهوات فاستمتعت بها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)، وكما لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب في المال، لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب في قضية النظر وإدمان الشهوات.

الأمر الثالث فيما يحفظك بإذن الله من أن تسلم لنفسك الوقوع في تلك الحبائل: أن تعلم أن الله جل وعلا سائلك عن شبابك فيما أفنيته، سائل جوارحك عما صنعت، يقول جل جلاله: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت:١٩ - ٢٤].

فما منا من أحد إلا وسيسأله ربه عن كل عمل عمله وعن كل أمر قدمه صغيراً كان أم كبيراً عظيماً أم حقيراً، أما أولئك القائمين على تلك القنوات والقائمين على تلك الفضائيات وأخص منهم من يعنى بنشر تلك الأفلام الخليعة والأغاني الماجنة فإننا في المقام الأول نسأل الله جل وعلا لهم التوبة وأن يردهم الله إليه رداً جميلاً.

أما المقام الثاني: فإن الله جل وعلا لا محالة سيسألهم عن هذه الفئة العظيمة من شباب المسلمين الذين سعوا في إضلالها، وسعوا في إفسادها، ولم يرقبوا الله تبارك وتعالى فيها، فإنهم سيحملون أوزارهم كاملة يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيء نعوذ بالله تبارك وتعالى من أن نكون أدعياء للشيطان معرضين عن دعوته تبارك وتعالى وهو يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:١٢٤ - ١٢٦].