للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المسارعة إلى العمل الصالح]

فهذا يعينك برحمة الله على المسارعة في الباقيات الصالحات.

ثم تنتقل في هذه المدركات إلى أمر عظيم، وهو المسارعة إلى العمل الصالح وانتهاز الفرص.

والناس في هذا الباب طرائق شتى كما أخبر الله جل وعلا قال سبحانه: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:٤].

فمن الناس من يتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة ليل نهار، جاء في سيرة نبي الله إدريس عليه الصلاة والسلام أن الملائكة كانت تعجب منه، يرفع لإدريس وحده من الأعمال الصالحة ما يرفع لأهل الأرض كلهم من أهل زمانه، فكانت الملائكة تغبط إدريس على هذا العمل.

ومن تأمل سير الأخيار وطرائق الأبرار وجد كثيراً من ذلك، فمن ذلك الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ففي حادثة الإفك كانت المتهمة بالإفك هي ابنته عائشة رضي الله عنها وأرضاها زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم، وكان الصديق رضي الله عنه وأرضاه على سقف بيته يقرأ القرآن فيسمع بكاء ابنته عائشة وبكاء أمها أم رومان، فتذرف عيناه ويبكي ويقول: هذا والله أمر ما رمينا به في جاهلية ولا إسلام! ومع ذلك يمكث شهراً كاملاً يستحيي رضي الله عنه وأرضاه أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويكلمه في الأمر رغم أن الشأن شأن ابنته رضي الله عنها وعن أبويها.

فهذا عمل صالح قد لا يخطر على بال أحد.

وكذلك أنت أيها المؤمن! في طريقك إلى الله لا تدعن عملاً تستطيع أن تعمله تعرف أن فيه رضوان الرب جل وعلا، قد تخرج من مسجد أو من مكتبة أو من مكان موصول بالإيمان فتجد رجلاً يبيع السواك وعندك في بيتك منه ما يغني؛ لكنك تتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)، فتشتريه أملاً أن تنال رضوان الله جل وعلا.

وليس المقصود ضرب الأمثال، وإنما المقصود تنبه الناس، ألا ترى إلى نبي الله يونس لما وضع في بطن الحوت وكان في الظلمات الثلاث ثم حرك أطرافه فوجدها تتحرك فعلم أنه حي فأسمعه الله جل وعلا تسبيح الحصى والثرى لرب السموات العلا، فبادر عليه السلام يتخذ في ذلك المكان عملاً صالحاً فسجد، فورد أنه قال: (اللهم إنني اتخذت لك مسجداً في مكان ما أظن أن أحداً عبدك فيه).

وكم من بقعة في الأرض يغلب على الظن أن أحداً لم يعبد الله جل وعلا فيها، فإن أوتيتها اختياراً أو اضطراراً فلا تنس أن تعبد الله جل وعلا فيها، تدخر فيها لنفسك عملاً صالحاً، قال لي أحد الفضلاء يوماً وهو يريد أن يعمل ما يسمى بالأشعة المقطعية وهم يضعونه في أشبه بالتابوت في داخل الجهاز ليمكث ٤٥ دقيقة؛ قال لي: يا أبا هاشم أوصني قبل أن أدخل وكان يخشى أن تطفأ الكهرباء فيموت! قلت له: إن استطعت أن تصلي في هذا المكان ركعتين ولو مستلقياً فافعل، فإنني لا أظن أحداً عبد الله في مثل هذا المكان.

الغاية من هذه النصيحة لي ولكم أن يأتي الإنسان إلى موطن يغلب على الظن أنه لم يسجد لله جل وعلا سجدة، ويكون قد دخله كما قلت اختياراً أو اضطراراً فيتذكر قول الله جل وعلا: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف:٤٦]، فيدخر لنفسه عملاً صالحاً يخلص لله فيه النية لعل الله جل وعلا أن يتقبل منه هذا العمل يوم يلقاه، قال علي رضي الله عنه وأرضاه: إن الله أخفى اثنتين في اثنتين؛ أخفى أولياءه في عباده فلا تدري فيمن تلقاه أيهم ولي لله، وأخفى رضوانه في طاعته فلا تدري أي طاعة لك أطعت الله بها كانت سبباً في رضوان الله جل وعلا، فلا تحقرن من الأعمال الصالحة شيئاً.