وأما الروح عندما تخرج فتصعد إلى السماء، وهذه السماء لها أبواب، فتفتح لأقوام وتصد عن أقوام، فكل سماء تتحرج أن تمر عليها روح الكافر، وكل سماء يتمنى أهلها أن تمر عليهم روح المؤمن، ويشيع روح المؤمن من كل سماء مقربوها، وتنادى بأحسن الأسماء حتى تصل إلى العرش، فيقول أحكم الحاكمين: أرجعوها إلى الأرض فإني قد وعدتهم: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}[طه:٥٥]، فتعود الروح إلى البدن، فروح المؤمن تعود إليه بلطف، وروح الكافر تطرح إليه طرحاً، قال الله جل وعلا:{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}[الحج:٣١]، ثم تلتصق الروح بالبدن لتكون مستعدة لسؤال الملكين وما يعقب ذلك من أمور.
ونعود لقضية الشهداء، فالشهداء في هذا الخضم أرفع الناس مقاماً، إن إنساناً يرى الموت عياناً ثم لا يتأخر من أجل إعلاء كلمة الله فإنه لا يحتاج إلى أن يشفع له أحد، فالشهيد شافع وليس مشفوعاً فيه، وقد وقاه الله جل وعلا فتنة القبر، قال صلى الله عليه وسلم:(كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة)، فإذا أدخل القبر فإنه لا يسأل ولا يختبر ولا يفتتن، ولا حاجة أن يصلى عليه فيدع الناس له؛ لأنه شافع غير مشفوع فيه، ولا يمنع ذلك من الدعاء له، لكن أن يكون هذا لزاماً كما يكون في حق غيره فلا.
فالنبي صلى الله عليه وسلم وقف على سبعين قد ضرجوا بمائهم منهم عمه حمزة رضي الله عنه وأرضاه، فلما رأى حمزة مضرجاً بدمائه قد مثل به بكى صلوات الله وسلامه عليه، وكان عليه الصلاة والسلام يحب عمه حمزة حباً جماً، وكنية حمزة أبو عمارة رضي الله عنه وأرضاه.
هؤلاء الأخيار وقف عليهم نبينا صلى الله عليه وسلم وقال:(أنا شهيد على هؤلاء)، ثم إنه صلوات الله وسلامه عليه عاد إليهم مرة أخرى يوم أن شعر بدنو أجله وقرب وفاته، فدعا لهم واستغفر صلوات الله وسلامه عليه كالمودع لهم.