للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعظيم الأنبياء لله تعالى]

ثم إننا نقول: إن الخوض في خيرة أولئك الرسل ودراسته أمر متعجب، ويمكن أن يجنح له المحاضر من عدة طرق كما فعل الحافظ ابن كثير في قصص الأنبياء، فقد ذكر قصصهم على شكل السرد الموضوعي التاريخي كل نبي لوحده، وقد يطرق هذا الموضوع بطريقة أو أخرى، لكن الذي نريد أن نبينه أننا سنطرقه من باب الاسترشاد في هذه المرحلة الزمنية من عمر الصحوة الإسلامية المباركة، مما ينفع الله جل وعلا به عباده وخلقه أجمعين.

فنقول أيها المؤمنون! إن من أعظم ما يستقى وتتضح به المعالم، وتستنير به القلوب، وتستوضح به الدروب من نبأ المرسلين: إعظامهم وإجلالهم لله تبارك وتعالى.

إن تعظيم الله جل وعلا وإجلاله تباركت أسماؤه وجل ثناؤه أمر تقضيه الفطر السليمة، وجاءت به الشرائع القويمة، وإن الله تبارك وتعالى لا رب غيره ولا إله سواه؛ ولذلك كلما ازداد الإنسان بالله علماً ازداد لله تعظيماً وإجلالاً، فلما كان الرسل هم أعظم الناس علماً بالله جل وعلا كان أولئك المرسلون هم أكثر الخلق وأشد العباد إعظاما وإجلالاً لله تبارك وتعالى؛ لأنهم يعلمون صفاته العلى وأسماؤه الحسنى، ويعلمون ما لله من سلطة وقوة وجبروت لا تكون لأحد غيره سبحانه وبحمده تبارك اسمه وجل ثناؤه، وهذا التعظيم ورد على هيئة أمور عدة: فمن ذلك: قال الله جل وعلا: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر:٦٧]، وجاء في حديث ابن مسعود: (أن حبراً من أحبار اليهود قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! إننا نجد في كتبنا أو في علمنا أن الله جل وعلا يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك، فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه؛ تقريراً وتصديقاً لما قاله الحبر اليهودي، فأنزل الله جل وعلا قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧]).

ولقد فقه أنبياء الله ورسله هذه المسألة فقهاً عظيماً فكانوا يدعون أقوامهم ومن أرسلوا إليهم يدعونهم إلى تعظيم الله جل وعلا وإجلاله، تارة بذكر الضد كما فعل نوح عليه الصلاة والسلام لما قال لقومه: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [نوح:١٣ - ١٨]، كل ذلك ليلفت انتباههم إلى تعظيم الله جل وعلا وإجلاله، وذكر ماله من عظمة وملكوت سبحانه تبارك وتعالى وبحمده.