[جزاء المجرمين وجزاء المتقين]
وهنا يقول قرينه الذي وكل إليه من الشياطين: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} [ق:٢٣] فيكون الخطاب الرباني: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [ق:٢٤ - ٢٦].
أيها المؤمنون! لا ذنب يلقى الله جل وعلا به أعظم من الشرك، فإنه ذنب لا يغفره الله أبداً.
أما المؤمنون فإن أول عمل ينظر فيه ما كان بينهم وبين الله وهو الصلاة، فمن حافظ عليها فقد حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
وأول ما ينظر إليه مما بين الناس مسألة الدماء، فأول ما يقضى به بين الخلائق الدماء.
ثم قال الله جل وعلا: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:٣١ - ٣٢] المؤمن في طريقه إلى الله جل وعلا يقول الله عنه: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:٤] ينتابه الحزن والسرور والصحة والمرض والشباب والشيخوخة وتنتابه أمور كثيرة ومطالب عظام، يدلف حيناً إلى الطاعات، ويقع أحياناً في المعاصي، ويستغفر ما بين هذا وذاك، يفقد أمواله، يفقد أولاده، إلى غير ذلك مما يشترك فيه أكثر الناس، فيبقى الحزن في قلبه حتى يقف بين يدي الله جل وعلا وييمم كتابه ويرى الجنة قد قربت وأزلفت، فإذا دخلها نسي كل بؤس وحزن قد مر عليه قبل ذلك، جعلني الله وإياكم من أهل ذلك النعيم.
قال الله: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا} [ق:٣٢] أي: الذي ترونه، {مَا تُوعَدُونَ} [ق:٣١ - ٣٢] أي: ما كنتم توعدونه في الدنيا.
{لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:٣٢] أواب: دائم التوبة والإنابة والاستغفار لله جل وعلا، (حفيظ) لجوارحه أن تقع في الفواحش التي حرم الله من ما ظهر منها أو بطن.
{هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:٣٢] وذكر الله جل وعلا النار قبل ذلك وأنها يلقى فيها حتى تقول: قط قط، أي: يكفي يكفي، قال الله جل وعلا قبل ذلك: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:٣٠].
وقوله: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:٣١ - ٣٣] ما القول الذي يقال لهم؟ يقول لهم العلي الأعلى: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق:٣٤].
والموت أعظم ما يخوف به الناس في الدنيا، ولأجل ذلك يذهب عنهم يوم القيامة.
قال الله جل وعلا: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:٣٥] وأعظم ما فسر به المزيد رؤية وجه الله تبارك وتعالى.
اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.