وكان عماد الدين زنكي قد ملك الموصل والجزيرة وسيّر إلى حلب الأمير سنقردراز، والأمير حسن قراقوش ومعه توقيع عماد الدين بالشام، فأجابه أهل حلب وتقدم عسكر عماد الدين زنكي إلى سليمان وقتلغ بالمسير إلى عماد الدين زنكي فسارا إليه وهو بالموصل فأصلح بينهما ولم يردّ أحدهما إلى حلب. وكان قراقوش في مدة غيابهما كالوالي على حلب.
ثم إن عماد الدين زنكي سار إلى حلب وملك في طريقه منبج وبزاعة وطلع أهل حلب لتلقيه واستبشروا بقدومه ودخل حلب ورتب أمورها. ثم قبض على قتلغ وسلمه إلى ابن بديع فكحله فمات. وكان ملك عماد الدين زنكي لحلب وقلعتها في محرم سنة ٥٢٢.
وفي سنة ٥٢٤ جمع عماد الدين زنكي عساكره وسار من الموصل إلى الشام وقصد حصن الأثارب لشدة ضرره على المسلمين، فإن أهله الفرنج كانوا يقاسمون أهل حلب على جميع أعمالها الغربية، حتى على رحى بظاهر باب الجنان، بينها وبين سور حلب عرض الطريق، والغالب على الظن أنها رحى عربية. فنازل عماد الدين الحصن واجتمع عليه الفرنج، فارسهم وراجلهم، فرحل عماد الدين عن الأثارب إلى حيث اجتمع الفرنج والتقى بهم واقتتل معهم أشد قتال، فانتصر عليهم وانهزم الفرنج وأسر كثيرا من فرسانهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة بقيت منها عظام القتلى على سطح الأرض زمنا طويلا. ثم عاد المسلمون إلى حصن الأثارب وأخذوه عنوة وقتلوا وأسروا كل من فيه وخرب عماد الدين ذلك الحصن من ذلك اليوم.
وفي سنة ٥٣٠ سارت عساكر أسوار- نائب عماد الدين زنكي بحلب- ومعه عساكر حلب وحماه إلى بلاد الفرنج بنواحي اللاذقية، وأوقعوا بمن هناك من الفرنج وكسبوا من الجواري والمماليك والأسرى والدوابّ ما ملأ الشام من الغنائم وعادوا سالمين. وفي سنة ٥٣١ نازل عماد الدين حصن بعرين- وكان به الإفرنج- فضيق عليهم وطلب الفرنج منه الأمان فقرر عليهم تسليم الحصن وخمسين ألف دينار يحملونها إليه، فرضوا بذلك وأطلقهم وتسلم الحصن والدنانير. وكان عماد الدين مدة إقامته على الحصن المذكور قد استخلص المعرة وكفر طاب من الفرنج، وحضر أهل المعرة وطلبوا أملاكهم التي كانت لهم قبل أن يأخذ الإفرنج المعرة، فطلب عماد الدين منهم كتب أملاكهم، فذكروا أنها عدمت. فكشف في ديوان حلب عن الخراج وردّ كل ملك لصاحبه حسب مفهوم الديوان.