وفي سنة ٥٣٢ وصل الروم إلى بزاعة- وهي على ستة فراسخ من حلب- وحاصروها وملكوها بالأمان ثم غدروا بأهلها وقتلوا منهم وأسروا وسبوا وتنصّر قاضيها.
وجملة من تلف بها من أهلها أربعمائة نسمة. ثم رحل الروم إلى حلب ونزلوا على قويق وزحفوا على حلب، وجرى بين أهلها وبينهم قتال كثير قتل فيه من الروم بطريق كبير، وعادوا خاسرين وأقاموا ثلاثة أيام ورحلوا إلى الأثارب وملكوها وتركوا فيها سبايا بزاعة، وتركوا عندهم من الروم من يحفظهم. وسار الروم جميعهم من الأثارب إلى شيزر فخرج أسوار- نائب زنكي بحلب- بمن معه وأوقع بمن في الأثارب من الروم فقتلهم وفك أسرى بزاعة وسباياها.
وفي سنة ٥٣٣ جاءت زلزلة عظيمة بالشام والعراق وغيرهما من البلاد فخرّبت كثيرا وهلك تحت الردم عالم كثير، وهدمت الدور والمنازل، وتوالت بالشام وخرّبت كثيرا من البلاد لا سيما حلب، فإن أهلها فارقوا بيوتهم وخرجوا إلى الصحراء. ودامت من رابع صفر إلى تاسع عشره. وفي سنة ٥٣٩ فتح أتابك عماد الدين زنكي مدينة الرّها واستردها من الفرنج الصليبيين مع غيرها من البلاد الجزرية، وكان فتحا عظيما. وفي سنة ٥٤١ قتل عماد الدين زنكي، قتله جماعة من مماليكه منازلا قلعة جعبر، ودفن بالرقة. ولما قتل كان ولده نور الدين محمود زنكي حاضرا عنده فأخذ خاتمه من إصبعه وجاء إلى حلب وملكها.
وفيها راسل جوسلين الفرنجيّ- صاحب تل باشروما جاورها- أهل الرها، وكلّهم من الأرمن، بأن يمتنعوا عن المسلمين ويسلموا البلد إليه، ففعلوا وملك جوسلين البلد دون القلعة. فأسرع نور الدين الرحيل إليه من حلب، ولما قارب الرها خرج منها جوسلين هاربا ودخلها نور الدين ونهبها وسبى أهلها فلم يبق منهم أحد. وفي سنة ٥٤٢ دخل نور الدين صاحب حلب بلاد الفرنج وفتح منها مدينة أرتاح بالسيف وحصر مابولة وبصرفوت وكفر لاثا. وفي سنة ٥٤٣ كان بين نور الدين وبين الفرنج مصاف بأرض يغرى من العمق، فانهزم الفرنج وقتل وأسر منهم جماعة كثيرة، وأرسل نور الدين إلى أخيه سيف الدين غازي صاحب الموصل من الأسرى والغنيمة.
قال في الروضتين في أخبار الدولتين: وفي رجب هذه السنة ورد الخبر من ناحية حلب بأن صاحبها نور الدين أمر بإبطال: «حيّ على خير العمل» في أواخر تأذين الغداة،