فقال بعضهم: أفلا تجرّبون؟ فكمنوا لهم في الغياض فمرّ بالكمين نفر من الجند فرموهم منها فقتلوهم.
قال ابن الأثير في كتابه «الكامل» : ثم غزا عبد الرحمن نحو بلنجر، وكان الترك قد اجتمعت مع الخزر فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا وقتل عبد الرحمن، فأخذ أهل بلنجر جسده وحملوه في تابوت فهم يستسقون به. وفي معجم البلدان أن الذي قتل في هذه الوقعة:
سليمان بن ربيعة الباهلي لا عبد الرحمن، فليحرّر. والقصة مذكورة في المعجم في الكلام على باب الأبواب.
وسطع نجم الإسلام في الأتراك أيضا حينما فتحت الجبال المحيطة بأرمينية، وقد قيل في أهلها إنهم استحلوا الإسلام وعدله، إذ من المستبعد عقلا أن يحترم أهل بلنجر جسد عبد الرحمن- أو سليمان على الرواية الأخرى- ويعتقدوا فيه البركة والكرامة ويضعوه في تابوت ويستسقوا به، وأن يكون أهل الجبال المحيطة بأرمينية قد استحلوا الإسلام وعدله وألّا يكون الإسلام خامر قلوب بعض أناس منهم طابت سرائرهم وصفت قرائحهم، وتنورت بصائرهم فميزوا الرشد من الغي واتضح لهم ما هم عليه من العمى وما عليه دين الإسلام من الهدى فاستهجنوا نحلتهم واستحسنوا ذلك الدين فقبلوه ودانوا به.
وأنا لا أدعي بأنهم في ذلك التاريخ ارتضوا هذا الدين ودخلوا فيه أفواجا، وإنما أقول:
إنه لا بد وأن يكون دخل فيه أفراد منهم فأخفوا إسلامهم حين لا يمكن إعلانه. على أن عدم تصريح المؤرخين ببدء انتشار الإسلام في الأمم التركية لا يستلزم عدم انتشاره فيهم في ذلك التاريخ، وإلا للزم ألّا يكون الإسلام انتشر إذ ذاك في الفرس أيضا لأن المؤرخين لم يصرحوا ببدئه فيهم ولا في غيرهم، كأنهم استغنوا عن ذلك لأن شيوع هذا الدين قديما في الأمم التي حاربها المسلمون كان معلوما بالضرورة، إذ كانت الدعوة إلى التدين بالإسلام أو بذل الجزية تتقدم كل مناجزة، فكانت الأمة التي يحاربها المسلمون لا تخلو عمن يرضى منها بالإسلام أو بالجزية فيقبل منه ويناجز الباقون من الأمة الذين لا يرضون بأحد الأمرين.
ومما يستبعده العقل أيضا أن تكون الأمم التركية خالية عمن اتبع هدى الإسلام واتخذه دينا في جميع الحروب التي أدار رحاها عليهم قتيبة بن مسلم وابنه مسلم ويزيد بن المهلب ومسلم بن سعيد الكلابي ونصر بن سيّار وغيرهم من قادة المسلمين، مع أنه لم يصرّح