في طريقته لا يحصون كثرة، وكان فخر الدين الرازي صاحب التفسير الكبير ينكر على البهاء طريقته ومسلكه. فقال الفخر يوما لخوارزمشاه: إن لك اسم السلطنة ولابن أختك معناها. فاغتاظ خوارزمشاه من هذا الكلام وأرسل يقول لابن أخته: ليتفضل علينا مولانا باستلام الملك منا والجلوس مكاننا. ففهم البهاء المقصود من كلامه وقال للرسول: قل لمن أرسلك: نحن نذهب، ولكن يجيء مكاننا قوم آخرون ولا يتركون خوارزمشاه أيضا.
ثم خرج البهاء بأهله وعياله وكثير من أتباعه إلى بلاد الروم (برّ الأنضول) وتوطن في قونية، وأكرمه سلطانها علاء الدين السلجوقي. ثم كان ما كان من قيام جنكز خان على خوارزمشاه واستيلائه على بلاده بسبب انكسار قلب بهاء الدين وتأثره من خاله.
وهناك سبب آخر روحاني يذكرونه لمصيبة خوارزمشاه بحادثة جنكز خان: وهو أن تركان خاتون- أم السلطان علاء الدين محمد خوارزمشاه- كانت تحضر مجلس وعظ الشيخ مجد الدين البغدادي، وكان له أضداد يحسدونه على ذلك فأخبروا خوارزمشاه وهو سكران بأن والدته تزوجت بالشيخ مجد الدين فقال في الحال: ارموه في البحر، فرموه في جيحون. فلما بلغ خبره الشيخ نجم الدين البكري دعا على خوارزمشاه وخر ساجدا ثم رفع رأسه وحمد الله وقال: طلبت من الله دية ولدي مجد الدين فأعطاني ملك خوارزمشاه. ولما سمع بذلك خوارزمشاه- وكان قد صحا من سكره- ندم على ما فعل وسار حافيا مكشوف الرأس حاملا فوقه طستا مملوءا ذهبا، وقابل الشيخ في المسجد، ووقف في صفّ النعال وقال للشيخ: هذا الذهب دية مجد الدين وهذا السيف ورأسي إن أردت القصاص. فقال الشيخ نجم الدين: كان ذلك في الكتاب مسطورا، دية مجد الدين جميع ملكك ويذهب فيه رأسك ورؤوس كثيرين من الأكابر والأعيان ونحن على إثرك فرجع خوارزمشاه مغتما مكسوف البال. ثم كان من أمر جنكز خان ما كان.
هذا وإن جنكز خان- بعدما فعله ببلاد الإسلام من القتل والتخريب مدة سبع سنين- عاد إلى بلاده فمرّ في طريقه على بخارى وطلب من صدر جهان قاضي القضاة وشيخ الإسلام أن يرسل له عالما بشريعة المسلمين، فأرسل إليه اثنين من العلماء فسألهما جنكز خان عن حقيقة دين الإسلام فذكرا له الشهادتين والصلاة والصوم والحج والزكاة، فاستحسن الجميع وصدّق به، إلا أنه لما ذكرت له الكعبة باسم «بيت الله» قال: إن جميع الدنيا بيت الله وبيته لا يختص بمكان. ولما رجع الاثنان من عنده إلى شيخ الإسلام